اليوم صدفة و أنا أطل من شرفة منزل صديقتي المقابل لساحة مستوصف المدينة؛ الذي زارته قافلة طبية متنقلة اليوم ؛ وقع نظري على سيدة تقارب الثلاثين من العمر و قد أسندت ظهرها على الباب و هي تحمل على صدرها رضيعا ؛ نظرت السيدة حولها وجدت المكان شبه خال فجمعت قواها و قامت باتجاه الباب الخارجي للمستوصف هنا كانت صدمتي قوية ، دققت النظر مرة أخرى وسألت نفسي أيعقل أن تكون هي؟ نعم لقد كانت الفتاة التي كنت التقيها تجوب أزقة و شوارع المدينة تتسول لقمة تطفئ بها نار الجوع، فيعطف عليها هذا و ينهرها ذاك، ربما هذه الفتاة تركت بيت أهلها لسبب ما وظنت أن الشارع سيكون عليها أرحم من أسرتها.فوقعت في شباك الذئاب الجائعة التي لا تملك ذرة من حس الإنسانية. فحين كانت الفتاة وحدها افترشت الارض و التحفت السماء؛ والآن و بوجود ذاك الرضيع الذي لا ذنب له، فإلى أي سبيل تمضي؟ وبلدنا يحتفل بعيد المرأة الذي لم تمض عليه سوى بضعة أيام ؛ فهل مثيلات هذه لهن عيد؟ فأين أنتم يا جمعيات حقوق المرأة ؟ أم أن المرأة المقصودة هنا امرأة الدار البيضاء و الرباط ، سيدة توفرت لها كل شروط العيش الكريم و لا ينقصها سوى الصراخ والنباح في الجمعيات والمنظمات النسائية والحقوقية !؟
ففي الوقت الذي تتقلبون أنتم في فراش دافئ ناعم؛ ينتظر المساكين طلوع الشمس لتدفئ أجسامهم التي نخرها البرد و أنهكها الجوع فالى متى ستدوم هده الحال؟ استفيقوا فقد طال السبات لا تظلوا حبيسي مكاتبكم الفخمة؛ تركبون السيارات الفارهة و تنعمون بقهوة الصباح على الشرفات المطلة على المسابح و مكيفات الهواء لا تكاد تتوقف تدفئ أقدامكم؛ و قد احمرت وجوهكم ليس خجلا وإنما هناك أمور تشغل بالكم.
أين ستقيمون احتفال عيد المرأة؟ لمن ستوجهون الدعوات؟ ماذا ستقدمون كمقبلات؟
هكذا يأخدكم الجدال يمنة و يسرة؛ و أخيرا يستقر الأمر على فندق من طراز خمسة نجوم و مدعوات تمثلن حقيقة بلدنا العزيز الذي أصبح يهرول وراء الراقصات و العاريات لتأثيث الحفلات الماجنة الساخنة . وبعد الخطابات الترقيعية الترفيهية تنتهي الحفلات و قد امتلأت البطون بما لذ وطاب و معها الحسابات البنكية و تخرجن مسرعات لقضاء حوائجكن و يبقى حق المرأة كلاما قيل في مناسبته. و أنتن تتلذذن بالطعام ترتبن لزيارة مدينة افران الجميلة و قد اكتست الرداء الأبيض؛ فلا يهمكن من الثلج الا جماله و تنسون معانات نساء الأطلس – وما شابهه من ربوع الوطن – و بناتهن اللواتي لم تأخدن من الثلج الا برده و قساوته حفاة عراة نسيهم المجتمع فنسين معه حلاوة الحياة و هن تعشن على مطالب بسيطة جدا كمأكل و نار للتدفئة فحتى التطبيب لا يهتممن له، فهم يؤمنون أن المرأة إذا وضعت المولود ثم ماتت ستدخل الجنة و إذا تعسرت الولادة و قدر الله وفاة المولود يقولون لم يكن من أهل الدنيا.
فهل من تمتلك هذه ألأماني البسيطة ستحتفل بعيدكن؟
هذه المرأة تحتفل بعيدين في شرع الله ، عيد الفطر و عيد الأضحى وتعبر عنهما بكحل و سواك ؛ و باقي أيامها عجين و طبخ و كنس وحطب و في غياب الأب أو الابن تتكلف بمهمة رعي الأغنام من طلوع الشمس الى مغيبها. ليس في أيامها عطل أو إجازات؛ كل وقتها عمل و كدح متفائلة مبتسمة زادها القناعة بما كتب الله لها؛ تسعد حين تنجب نعاجها التوائم و حين تهطل الأمطار و تخضر الأرض بالعشب لأنها تعلم أن حالها و حال عائلتها ستكون جيدة و لن تضطر الى شراء العلف، فهذا ما علمتها الحياة وورثته من السلف.
نعم هذه هي حال امرأة الأطلس وغيرها من البقاع النائية؛ حتى إذا التقيتها صدفة و أردت سؤالها عن شيء تسارع لإخفاء وجهها عنك و قد تورد من الخجل حتى أنك لا تكاد تسمع صوتها.
فالمسؤولية كل المسؤولية تتحملها الدولة الفاسدة المفسدة فقد تحالفتم على حكمنا تعذيبنا و تشريد الضعفاء منا؛ نهبتم خيرات الوطن، أعطيتم الحق للجاهل و حكمتم المستبد و أوسمتم الفاسق، فظل أبناء الأرحام الأحرار يعانون و يطالبون بحقوق مشروعة بادية للعيان ، و تقمعون مطالبهم بالعصي و الهراوات المخزنية ، دون أن تدروا أنكم بذلك قد أبنتم عن عجزكم في إصلاح أحوال البلاد و العباد ، وبهذا تنضاف حكومتكم إلى ما سبق، فبئس ما تصنعون … .