اختلاف الرأي والنظرة والإيديولوجيات وتغليب المصالح الشخصية من الأسباب الأساسية في صعوبة تغيير واقع حال الشعوب، وللسمو بهذا الأخير يتطلب ضمائر حية وقوى فاعلة تخرجه من مرحلة الخطر الذي هو كائن فيه، فلا يمكن أن يأتي شيء من فراغ، فمن الواجب أن يكون هناك تخطيط قبلي ونظرة بعيدة المدى ومعرفة الهدف المبتغى الحصول عليه، أسيكون تدنيس هو أم تغيير .. وهذا هو بيت القصيد، فمادام التمسك بالمرجعية الإسلامية قائم ولو شكليا فسيكون في المنحى الصحيح والايجابي طبعا. أكاد في بعض الأحيان أن أجزم أن المجتمع المغربي وأفراده متناقضون مع دواتهم ومصابون بانفصام في الشخصية بسبب انعدام إديولوجية تحكمهم، فتارة يمينا وتارة يسارا، سياسيا واجتماعيا، فعلى سبيل المثال عندما كان الأساتذة المتدربون يجوبون الشوارع ويبحثون عن من ينتشلهم من واقعهم ذاك، كانت أسرهم تفتش عن من يشفي غليلها، فلا تجد سوى الحزب الاشتراكي العلماني اليساري كي يعينها في البحث عن حلول، فكانت تصدق ما تقول وتشهد له بالمعقولية والنزاهة، فكلاهما كان يبحث عن حاجة في نفس يعقوب، وإذا عدنا قليلا إلى الوراء، ونبشنا في الماضي سنجد أن هؤلاء هم دعاة التغيير سنة 2011، وهم من صوتوا بالإجماع على حزب العدالة والتنمية عندما كان يطرب مسامع المتتبعين بكلام موزون جميل، الذي اتضح في الأخير أنه كان مجرد مرحلة ومرت. إذ إنهم بسرعة البرق انسلوا من إسلاميتهم عندما وجدوا أصحابها تخلفوا عن وعودهم، واسترجعوا وعيهم مع اقتراب الانتخابات ليبحثوا عن تغيير يلائم مصالحهم الشخصية، وهذا سيصعب حصوله من جديد. تتضح معالم الرغبة في التغيير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الذي يرى أنها تنحصر فيما هو سياسي واجتماعي، إذ يشكل المتنفس الوحيد لشعب بأكمله، وكذا يشكل معارضة شرسة للفاسدين، فالقوة التي تمتلكها وإن كانت افتراضية قد تسهم في تغيير أمور عدة، كعدم السماح بتمرير قوانين وقرارات… لكن يتوقف دورها في تعرية الفساد فحسب، ولا تسهم في الإصلاح، فتجدها تنتقد كل شيء من مكانها، ويتكفل فريق داخلها بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات لتصبح بذلك عدوة للتغيير، فتكمل طريقها في النبش في الحياة الشخصية للسياسيين لتبحث عن ما تهرج به، فالحرية التي تتمتع بها يمكن أن تحدث المعجزات، لكن ذلك التناقض الحاصل هو السبب الرئيسي فمثلا، تجد الفرد يأخذ من العلمانية وأصحابها ما شاء ومن الإسلامية ما راقه، لهذا أقول إن جل دعاة التغيير في مجتمعنا علماني الأفكار وفي التطبيق جمع بين متعارضين. إن هم المنظمات والهيئات دون أدنى شك لا يتمثل في تحسين واقع الحياة، وإنما في تدنيسها، ولا يتجلى هدفها في الحصول على عدالة اجتماعية وموازنة بين الفقراء والأغنياء، ولا في تحرير المرأة و إعطاء الحقوق، وإنما الهم الأسمى أن يغيروا معتقدات شعب بأكمله، حتى يكون غربي التفكير والمنهج، فالتغيير السياسي في قبضة الشباب من خلال هجرة جماعية للشرفاء لذاك العالم الذي أصبح حكرا على فئة معينة، الهم كل الهم أن يصبح لمرضى الحداثة مكان ليستفزوا المسلمين، ويصير للمثليين حقوق، فيختمونها بحرية المعتقد والصوم، فيصبح كل من تحكمه شهواته فاعل في المجتمع ويفرض أفكاره ويجر بذلك شبابا ينتظرون الفرصة فقط، لكن ما لم تجف أقلام الغيورين فليس يسير نهج الإصلاح والتغيير في هذا الاتجاه. ختاما، التغيير الحقيقي عليه أن يمس جميع الجوانب، فتحسين الواقع السياسي سيولد حالة اجتماعية مريحة لأفراده، وعليه أن يكون بالتساوي، فهناك من في الشرق يتمتع بحقوقه كاملة ومن هو في جبال الأطلس لم تصله بعد حتى شربة ماء صافية، فكيف سنتحدث عن التغيير ولا أحد جرب معاناة هؤلاء، فهم ليسوا في حاجة لحرية صحافة لأنهم لا يعرفون معناها، ولا لحديث سياسة، بل في أمس الحاجة إلى من ينقذهم من قبضة المغرب المنسي، ومن هناك سيبدأ التغيير الجذري للواقع.