نظم المركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية بتعاون مع المديرية الإقليمية مولاي يعقوب ندوة وطنية بعنوان ” تجديد رؤية القيم بالمدرسة المغربية”، حيث احتضن الندوة مقر المديرية ذاتها، وذلك صبيحة يوم السبت 12 يناير 2019.
حوت الندوة جلستين، جلسة افتتاحية ترأستها الدكتورة “حنان المراكشي”، حيث استُمع لآيات من الذكر الحكيم تلاها الأستاذ عبد الحميد الزنبوخي، لترحب بعد ذلك السيدة الرئيسة بالسادة الحضور والمتدخلين، كما بينت سياق الندوة والهدف منها، لتُناوِلَ الكلمة للسيد ممثل مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاس مكناس الأستاذ “محمد حابا” الذي شكر الجهتين المنظمتين للندوة، وهنأهما على توفقهما في اختيار موضوع القيم بالمدرسة المغربية، كما ذكّر بالسياقات التربوية التي تأتي في إطارها الندوة وتتمثل في:
• حاجة المدرسة المغربية لسؤال القيم؛
• تنزيل الرؤية الاستراتيجية التي اهتمت بقضية القيم؛
• أهمية المدخل القيمي في بناء مجتمع المواطنة؛
• انسجام الموضوع مع شعار المرحلة ” مدرسة المواطنة”
• مراعاة إضافات وتوصيات الندوة وأخذها بعين الاعتبار خلال المراجعة التي تعرفها المناهج التربوية حاليا بالمستويين الثالث والرابع ابتدائي.
أما المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بالمديرة الإقليمية مولاي يعقوب السيد “عبد الله الغول” فثمّن في كلمته مبادرة تنظيم الندوة المندرجة ضمن جهود الإصلاح الوطني الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين، مؤكدا على رغبة المديرية في المساهمة في النقاش الوطني حول النموذج التنموي الأفضل للوطن، كما شدد على أن تجديد رؤية القيم مطلب ضروري، لأن الارتقاء بالمدرسة نقطة مفصلية في الرؤية الاستراتيجية من جهة ، وإشاعة القيم الإيجابية المشتركة أمر ملزم من جهة ثانية.
اختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة للمركز الأكاديمي للدراسات الثقافية والأبحاث التربوية ألقاها الدكتور “مصطفى شميعة” بصفته رئيسا له، حيث أكد على أن مسألة القيم مسألة لا تقبل الانتظار في ظل التغيرات التي يعرفها العالم بفضل مختلف الوسائط التكنولوجية، بالإضافة إلى أن المغرب انخرط في إصلاح منظومة التربية والتكوين عبر قرارات ومراسيم، ناهيك عن كون المدرسة المغربية في حاجة ماسة لتغيير مفهومها للقيم ليتحقق بذلك تغيير على مستوى تمثلات المتعلمين لها، لينتقل المتدخل بعد ذلك إلى التعريف بالمركز، مبينا أهدافه ومنها أنه يرمي إلى الإضافة النوعية في الحقل الثقافي والتربوي، كما يسعى إلى الابتعاد عن الابتذال، ويتبنى المقاربة الحداثية التي يختزلها شعاره ” حكامة بحثية ورؤية متجددة “.
ترأس الجلسة الثانية – جلسة علمية – الدكتور” مصطفى شميعة ” الذي جدد الترحيب بالسادة الأساتذة المتدخلين والحضور، حيث تضمنت الجلسة سبع مداخلات، كانت أولاها بعنوان ” التربية على المواطنة من منظور جديد ” قدمها الأستاذ “محمد حابا ” بصفته أستاذا لمادة الاجتماعيات، ومستشارا ومفتشا للتوجيه التربوي سابقا، ورئيسا لقسم الشؤون التربوية بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين فاس مكناس حاليا، وتحدث فيها عن أهمية قراءة التربية على المواطنة بمدخل التربية على التوجيه والاختيار واتخاذ القرار. ليعقبه الدكتور “عبد الرحيم وهابي” – أستاذ مؤهل للتعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس- في مداخلة بعنوان ” القيم في المناهج التعليمية بين المشروع والمنجز: التعليم الثانوي نموذجا” حيث أشار إلى ضرورة حل إشكاليات شتى في موضوع القيم، ومنها تعدد واختلاف مرجعيات القيم وتعارضها ونسبيتها، إضافة إلى انعدام التكوين للأساتذة في مجال القيم، وانفصال المدرسة عن محيطها، علاوة على الواقع الرقمي الذي أصبحت بسببه المناهج متجاوزة. ليتناول الكلمة بعده الدكتور” الحسان احجيج” – أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب سايس فاس، وعضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان فاس مكناس – الكلمة في مداخلة له وسمها بـ ” البعد الأمازيغي في استراتيجية بناء القيم الجديدة للمدرسة المواطنة” ودعا فيها إلى ضرورة التفكير في طريقة استرجاع مجموعة من القيم التي كان يمارسها المواطن المغربي بتلقائية إلى عهد قريب، فتطورات المجتمعات في نظره تحتم تغيرات على مستوى القيم، لكن لابد لكل أمة أن تحتفظ برصيد من قيمها، والمغاربة يحتفظون برصيد من الثقافة الأمازيغية، حيث نبه الباحث إلى أن البحث عن القيم خارج التراب والتراث المغربي يستفز المواطن ولا يأتي بنتائج مفيدة، بل يزعزع الاستقرار، كما أكد على أن القيم يجب أن تعاش وتمارس في المؤسسات التعليمية، سيما قيمة الاحترام والحرية والتضامن والتسامح والوطنية والمشاركة والحماية والانفتاح. أما الدكتور “عادل المومني” – ذ. بالمديرية الإقليمية الحاجب – فتناول في مداخلته موضوع ” المدرسة المغربية ورهانات التربية على القيم ” حيث وضح أن القيم تشكل نسقا وتشتغل بشكل متكامل، ولها مستويات ومعايير أساسية في تشكيل هوية الفرد، كما أشار إلى التساؤلات المقلقة التي تطرحها المواقف والسلوكات المشينة داخل المدرسة، مستحضرا توجيهات واختيارات ميثاق التربية والتكوين والكتاب الأبيض، كما ذكّر بوظائف المدرسة في الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030 وغاياتها، ودعا إلى تفعيل التكوين المستمر في مجال القيم، وإعادة النظر في تفعيل الحياة المدرسية بالإشراك الفعلي للمجتمع المدني والأسرة والإعلام، ذلك أن إعادة الجاذبية للمدرسة وتغيير تمثلات المتعلم تجاهها مسؤولية الجميع. ثم قدم الدكتور “محمد الفتحي” – مدير مساعد بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس، وباحث في اللسانيات التطبيقية – مداخلة بعنوان ” التربية على القيم والممارسة البيداغوجية” اعتبر فيها أن سؤال القيم مطروح علينا اليوم سياسيا وثقافيا وتربويا، فهو سؤال متجدد لأنه مرتبط بتطور المجتمع، حيث قاسم الحضور ملاحظات ونتائج بحث ميداني في موضوع القيم شارك في إنجازه بمعية أطر أخرى من المؤسسة التربوية التي ينتمي إليها، خلص فيها إلى ما يلي:
ضرورة التمهير والتدريب على القيم أي أن يعيشها المتعلم، ولا يدرسها فقط ؛
ضرورة تطوير منهاج اللغة العربية والاجتماعيات والتربية الإسلامية؛
تقويم القيم ؛
الاهتمام بالقيم عند التخطيط للأنشطة التعليمية التعلمية.
والمداخلة السادسة ألقاها الدكتور “محمد الزوهري” – ذ. بالمديرية الإقليمية بفاس وصحفي – في موضوع” دور المؤسسة التعليمية في بناء قيم المواطنة لدى جيل اليوم ” حيث قدم فيها انطباعاته الشخصية كصحفي في قضية القيم بالمدرسة المغربية، معتبرا أن حلم تحقيق وتجديد القيم قد تبخر، معللا ذلك بما نعيشه من مظاهر للسلوك المشين الذي تشهده المدرسة من غش ومخدرات وعنف وتسيب وغيرها، حيث أضحى الشارع يخترق المدرسة بعدما كانت المدرسة هي التي تخترق الشارع من قبل، كما بين أيضا أسباب تراجع منظومة القيم، مما يؤشر في نظره على انفصام بين الخطاب التنظيري والممارسة في الواقع. لتعقبه مداخلة أخيرة قدمتها الأستاذة الباحثة “فاطمة الزهراء أندوف” – باحثة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله- في موضوع ” ترسيخ القيم من خلال خطاب الصورة بالكتاب المدرسي ” وتحدثت الباحثة عن مفهوم الصورة التربوية ودورها وأهميتها في الإفهام وغرس القيم لدى المتعلم وتعزيزها، باعتبارها وسيلة ديداكتيكية مهمة، فالطفل يعتمد بنسبة 83 في المئة على حاسة البصر في تعلماته، فالصورة بهذا دعامة أساسية تضفي الواقعية، وتثير الدافعية للتعلم، وتأتي في مقدمة الوسائل الديداكتيكية، كما بينت الباحثة الشروط اللازمة لإعداد الصورة التربوية، ولخصتها في الوضوح، ومحدودية المعلومات، والارتباط بالدرس، والتوافق مع عمر المتعلم، والجاذبية، وأن تكون من بيئة المتعلم وتثير فضوله، حيث قدمت نماذج لصور تربوية من كتاب المفيد للمستوى الأول ابتدائي تعبر عن قيم مختلفة.
عقب انتهاء تقديم المداخلات فتح السيد الرئيس باب المناقشة التي أغنى خلالها المتدخلون موضوع الندوة ، كما قدموا توصيات هامة بشأن تجديد رؤية القيم بالمدرسة المغربية، لتنتهي الندوة بحفل شاي على شرف الحضور.