بتاريخ 18 فبراير, 2016
إعداد : د. محمد الدريج
أستاذ باحث في علوم التربية
ملحوظة
نظرا لراهنية موضوع تطوير مناهج التعليم وأهميته البالغة ،أعيد نشر هذه الدراسة في نصها الأصلي والتي سبق أن نشرتها ضمن كتابي “تطوير مناهج التعليم معايير علمية… متطلبات الواقع …أم ضغوط خارجية ؟” (العدد 33 من سلسلة المعرفة للجميع ،الرباط ، يوليوز 2005)، كمساهمة مني فيما يدور حاليا من نقاش واسع حول ضرورة تعديل وتطوير المناهج الدراسية وفي مقدمتها مناهج “التربية الإسلامية”.
دراسة تقدم بموضوعية و نزاهة ،معلومات وأفكار و وجهات نظر متعددة ومتنوعة و متضاربة في بعض الأحيان، يمكن أن تغني هذا النقاش وتفيد بشكل إيجابي مخططي المناهج والطلبة والأساتذة الباحثين والمربين الممارسين في المدارس المغربية والعربية بشكل عام.
دأبت حكومات بعض الدول العربية أخيرا على تعديل مناهج التعليم في المدارس والجامعات, فألغيت مقررات أو عدلت وأقرت مواد … وفتحت مدارس وأغلقت أخرى…
وانقسم الرأي العام بين مؤيد لهذه الصحوة الجماعية ومعارض لها، من منطلق أنها لم تنتج عن تطورات موضوعية واحتياجات داخلية للبلدان التي أقرتها وإنما جاءت تلبية لضغوط خارجية.
وقال المدافعون “إن العالم من حولنا يتطور, والعلوم تتقدم وأصبح العصر عصر تكنولوجيا ومعلوماتية ولغات أجنبية وانفتاح وعولمة, ولابد بالتالي من تطوير أنفسنا ومناهجنا لنواكب عصرنا.
أما المعارضون فيعتقدون أن أنظمتنا تتحدث لغة الاستعمار الجديد, بدل لغة القرآن الكريم, و تنظر إلى إسرائيل على أنها دولة مجاورة وليس دولة عدوة”. عن جريدة” الحياة “، عدد17فبراير 2004)
والواقع انه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، سلط الضوء على المدارس الدينية وكليات الشريعة وعموم المناهج والكتب المدرسية …في عدد من البلدان، قصد إعادة النظر في مناهجها والكتب التي تعتمدها, فأغلق البعض خوفا من تخريج أصوليين, مما فتح الباب لاحقا أمام إعادة تقييم مادة التعليم الديني نفسها حتى في المدارس غير الدينية.
“ونالت كتب التاريخ و التربية الوطنية… حصتها. فألغيت مادة “القضية الفلسطينية” في بعض المقررات, و “أيضا استبدل اللباس العسكري لتلاميذ المدارس بلباس أزرق أو زهري بحسب المرحلة الدراسية, وبدا الجميع وكأنه في سعي حثيث لنفي تهمة العنف عنه. ووزعت دول أخرى حصص التعليم الديني على عدة مراحل دراسية، بدل تركيزها في المراحل الابتدائية, كما أدخلت مادة الرياضة للبنات في المدارس الحكومية على غرار أقرانهن من الذكور.”…( عن جريدة” الحياة “، عدد17فبراير 2004)
ودافعت وزارات التربية والتعليم في دول عربية عن قرارها تعديل المناهج ، نافية تعارضها مع الثوابت الدينية والقومية والوطنية مؤكدة أنها قرار داخلي غير خاضع لأي إملاءات خارجية.
ولعبت منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة مثل اليونسكو واليونيسيف، دورا بارزا في هذه التعديلات، كأن أوصت بإدخال دروس عن حقوق الإنسان والطفل و المرأة, و إخضاع الأساتذة لدورات تدريبية لتضمين الحصص حوارات ومناقشات داخل الفصول ، من أجل ترسيخ مفاهيم الديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وتحرير المرأة …
و بالنسبة لما يمكن أن يهيأ للنظام التعليمي في العراق وربما لعموم الدول العربية و الإسلامية، من مناهج “جاهزة” و “مستوردة”، لابد من التذكير بأن ما كان سائداً من مناهج تعليمية خلال فترة النظام السابق في العراق، لم يكن مرتبطاً أساساً وكلياً بذلك النظام وتوجهاته السياسية، بل كانت المناهج والأهداف التربوية، في معظمها نتاج مخاض طويل عَمَّر خلال عقود بل قرون، مناهج نهلت في الدرجة الأولى، من تاريخ العراق العريق وتراثه وحضارته العربية – الإسلامية ومقوماته ومبادئه والتي رأينا تجذرها بنفس القوة والعمق في كافة الأنظمة التربوية العربية.
إن استيراد مناهج “جاهزة للاستعمال” مشروع فاشل من الأساس، “فلابد أن يتذكر الذي سيقوم بمهام إعداد المناهج الجديدة واشتقاق الأهداف التربوية، أن للأمم تاريخها وتراثها ومعتقداتها وكرامتها، في كل ما تبنيه وما تنشده لأبنائها.
وقد تنبه منذ زمن غير قصير إسماعيل حجي (1996) لما أسماه بمحاولات خنق الاتجاه القومي العربي والسعي الحثيث لإعادة تشكيل الواقع العربي وصياغة واقع جديد ومحاولة إذابة الوطن العربي وطمس هويته. “إن حربي الخليج، وبخاصة الحرب الثانية التي نتجت عن غزو العراق للكويت، قد أدت إلى تردي الأوضاع العربية وطمس للهوية العربية وإعلاء شأن القوى الخارجية، التي اعتبرت نفسها، واعتبرها كثير من العرب مسئولة عن حمايتهم من عرب آخرين”.
كما نوه الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة (2003) إلى مخاطر “أمركة” المناهج التعليمية في العراق وفي كافة الدول العربية واعتبر مثل هذه المحاولات أنها تستهدف تقليل وإضعاف مناهج الدراسات الإسلامية والعربية بدعوى أن هذه المناهج تؤدي إلى التطرف. “إن تغيير المناهج السائدة حالياً في الدول العربية سيؤدي – في اعتقادهم – إلى قبول إسرائيل وقيم الغرب ومثله العليا، وخلق أجيال جديدة تتخلى عن المبادئ القومية السائدة في الوطن العربي”.
ويضيف سلامة أنه ومن الطبيعي ألا يؤدي مثل هذا الإصلاح المزعوم في المناهج التعليمية العراقية والعربية بشكل عام، الذي يركز بصفة خاصة على حصص اللغة والدين والنصوص القرآنية بقصد تجريدها من المعاني والمبادئ والأهداف التي يعتقد المغرضون، أنها وراء العنف الإرهابي، إلا إلى مسخ الشخصية العربية وتذويب الهوية القومية وترقيع المناهج التعليمية بدلاً من التزام رؤية إصلاحية شمولية(*).
كما أكد ضياء رشوان (2003) الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية إلى “أن أمريكا لم تأت إلى منطقة الشرق الأوسط لإعادة ترسيم الخرائط السياسية، والحدود الجغرافية ولكنها تنوي إعادة صياغة العقول. إنها ستتدخل لإعادة صياغة طرق التفكير والحياة والتعليم والثقافة وتذوق الفنون .. ” لأن الموجودة بدول الشرق الأوسط لا تؤدي إلا لمزيد من التطرف والإرهاب” …. (**) حسب رأيها.
أما ملك رشدي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وإن كان في رأيها التركيز سيكون أشد على مناهج التعليم المدرسية باعتبارها الأهم من الجامعة، فإنها لا تعتقد بخصوص هذا التغيير أن المقصود “خلق مواطن عراقي أمريكي موال لها”، ولكن الفكرة هي جعل الطلاب أكثر تقبلاً للأفكار الأمريكية الليبرالية مثل التسامح وتقبل الآخر، والحديث الدائم عن حقوق الإنسان. وقطعاً ستعمل المناهج – حسب رأيها – على طمس فكرة العروبة و”أن جزءاً كبيراً من التاريخ سيعاد كتابته وتشكيله ( … ) كما سيتأثر البعد الديني أيضاً، حيث سيكون التركيز الأكبر على المواد العلمية البحتة”.
وموازاة مع هذه الأفكار الرافضة لأي تغيير للمناهج يفرض من أية جهة كانت، تبلورت أفكار تدعو إلى ضرورة التغيير، أو الاستمرار في التغيير والإصلاح، دون أن يعني ذلك الاستجابة لأية ضغوط ما عدى ما تفرضه التطورات سواء على الصعيد المحلي أو العالمي. وسنعرض فيما يلي نماذج تمثل هذه الأفكار.
يرى عبد الصبور مرزوق، الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر وفي معرض حديثه عن ضرورة تجديد الخطاب الديني وهي ضرورة تتصل بعملية التجديد في الفكر الإسلامي، عملاً بقول الرسول “إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة دينها”. يرى أن المناهج الإسلامية التي يدرسها الطلاب تحتاج إلى إعادة نظر بما يتماشى مع احتياجات المسلمين في العصر الحديث ويجب ألا يتم التغيير بضغوط من دول خارجية كما يشيع البعض. (*)
ويذهب محمود خلوصي رئيس هيئة الأوقاف في مصر، إلى ضرورة تطوير المناهج وإعادة النظر في الأهداف التربوية لأنظمتنا التعليمية: “إننا نحتاج لتحديث خاصة التربية الدينية والأخلاق، ففي وقت مضى كان الطلاب يحفظون القرآن ويستوعبون مفاهيم الإسلام والقيم والمنظومة الأخلاقية وأدى التراجع الأخلاقي إلى الأمراض الاجتماعية من عقوق الأبناء والإدمان، فنحن في حاجة لتجديد الثقافة الإسلامية ….”.
ويقول فوزي الزفزاف رئيس لجنة الحوار مع الفاتيكان: “أنه منذ أن كنت وكيلاً للأزهر لم تمارس علينا أية ضغوط من جهات خارجية لكي نقوم بتغيير مناهجنا الإسلامية، ولكن إذا احتاجت هذه المناهج التغيير لتصبح أكثر ملاءمة للعصر الذي نعيش فيه، فما المانع من تغييرها شريطة أن يتفق هذا التغيير مع تعاليم الله سبحانه وتعالى وقواعد الإسلام الحنيف”.
كما ينفي عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ما يثيره البعض من أن تحديث الخطاب الديني وما يرتبط به من قضايا، مثل تطوير المناهج الدينية في المدارس وغيرها، هي مسألة مفروضة على المؤسسات الدينية الرسمية (…) ولكن المنصفين يدركون كذب هذا الادعاء وأننا في حاجة لهذا التطوير والتحديث منذ زمن وتم طرح هذه القضية في فترات سابقة”.
وحذر مصطفى محمود (2003) من “استمرار اللغة الإنشائية للخطاب الديني، التي تعتبر وسيلة لا تصلح مع مفردات العصر الحديث الذي يؤمن بالتقدم و بالتكنولوجيا الحديثة ولا يلتفت للأمم المتخلفة عن الركب الحضاري وتعيش أسيرة لأفكار عتيقة”.
وأكد على ضرورة تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تسكن الشباب والأطفال كخطوة على طريق إعدادهم للمستقبل الذي نتمناه وتثقيفهم بمفاهيم قيمة العمل والوقت والعلم. وإن الالتزام بهذه المفاهيم كسلوك يومي هو من الأصول الدينية التي لا يمكن غض الطرف عنها، حتى لا يصبح كلامنا عن الدين محصوراً حول العبادات، ولكن في الوقت نفسه يجب أن ندرك أن العمل عبادة والعلم هو قارب النجاة للأمة.
* * *
وتحت عنوان ” ليست العلة في المناهج و إنما في الاستغلال والاحتلال” ،كتب عوني فرسخ في جريدة “البيان “الإماراتية (عدد 11فبراير 2004) ما ملخصه:
ذكرت وكالات الأنباء أن مؤسسة “راند” الأمريكية أبرمت مع إحدى الدول العربية عقدا متوقع أن تصل قيمته مليارات الدولارات ,تلتزم بموجبه بعملية “تطوير” و”تحديث” المناهج والكتب والمراجع المدرسية في الدولة المتعاقد معها. كما ذكر أن المؤسسة الأمريكية ستعهد لأكاديميين وتربويين عربا ومسلمين بتنفيذ القسط الأكبر من العملية, وأنه من المتفق عليه أن يعمم استخدام المنتج النهائي للعملية في عدد من الأ قطار العربية.
وإن صح ما تناقلته وكالات الأنباء حول هذه الصفقة ، تكون الدولة العربية مبرمة الصفقة قد تجاوزت بقية الدول العربية والإسلامية في مدى استجابتها للضغوط بإخضاع المناهج والكتب المدرسية لعملية مراجعة تستهدف تنقيتها وتنقيحها من المفاهيم والنصوص التي ترى فيها الإدارة الأمريكية الحالية ، أنها محرضة على كراهية أميركا-وبالتبعية إسرائيل –ومحرضة على مقاومة احتلالهما الأرض العربية”.
وكان وزير الدفاع الأمريكي قد صرح في نهاية أكتوبر الماضي, بضرورة شن”حرب فكرية “. وأوضح أن “الإرهاب”لا يمكن هزيمته بالقوة العسكرية فقط. وإنما أيضا عبر محاولة كسب العقول والقلوب, وحرمان الجماعات المعادية من تجنيد شباب جدد.
ويذهب المحافظون الجدد في أمريكا ،إلى أنه ينبغي ليس فقط اجتثاث المنظمات الإرهابية من جذورها, و إنما المهمة الجديدة للسياسة الأمريكية الخارجية ليست مجرد استخدام القوة على نحو نشط, وإنما أيضا إعادة تشكيل البيئة الداخلية لدول المنطقة.
والقول بإعادة تشكيل المنطقة العربية ليس بالجديد على الاستراتيجيات الأمريكية, ولا هو من تداعيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001, ولا يعود فقط لعام 1989 واعتماد الاستراتيجيين الأمريكيين الإسلام العدو الجديد للإمبريالية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي”.
وفي هذا المناخ السياسي-الفكري يغدو، حسب عوني فرسخ دائما ، مبررا التساؤل حول مشروعية وواقعية وجدوى التعاقد مع مؤسسة “راند” على”تطوير” و”تحديث” النظام التعليمي في مجتمع هو بحكم التاريخ والواقع عربي مسلم, لا يعتمد نظامه الحاكم العلمانية منهجا. فضلا عن أن مؤسسة ” راند” غير مختصة بالتربية والتعليم ووضع المناهج ومراجعة الكتب المدرسية, وإنما هي من المحافظين الجدد, المؤمنين بفكرة” صراع الحضارات”, والذين يرى غالبيتهم أن الإسلام والمسلمين الأعداء التاريخيين لما يسمونه ” الحضارة اليهودية- المسيحية”.
* * *
والحقيقة أنه عندما قمنا بتحليل الفلسفة التربوية السائدة عموماً في مناهج الأنظمة التعليمية العربية وكذا أهدافها العامة، لم نجد فيها ما يدعو إلى التطرف بأي شكل من الأشكال، ولا الحث على الإرهاب إطلاقاً، إن محاولات وضع المناهج الإسلامية في دائرة الاتهام مرفوضة بشكل قطعي. ولعل قراءة سريعة للوائح الأهداف التربوية العامة و لما استعرضناه من المبادئ والأسس التي اشتقت منها، تثبت هذا التأكيد، إذا كان الأمر يحتاج إلى إثبات. تتضمن تلك اللوائح بصريح العبارة وبصياغات دقيقة مبادئ التعاون والتفتح والتسامح ضرورة تعلم اللغات الأجنبية ومواكبة روح العصر و التكنولوجيا الحديثة، وتنمية التذوق الجمالي وحب الطبيعة، وتعزيز ثقة الفرد بالآخرين وقدرته على التعاون معهم والانفتاح على حضارات الشعوب الأخرى، وتدعيم مبدأ التعاون بين الأمم والشعوب المختلفة على أساس من العدالة والمساواة وعدم الاعتداء فيما بينها…( محمد الدريج ، 2004).
وعما يروج بخصوص المذكرة التي أرسلتها أمريكا إلى بعض الدول العربية، تطالبها فيها بتغيير مناهجها التعليمية، أصبحت المواقف العربية الرسمية، متفقة ومجمعة ، في التعامل مع هذا الموضوع، حيث ذكرت العديد من التصريحات لمسئولين كبار، أن ما يمكن أن تطالب به أية جهة من الجهات، مما يتفق مع التطور الحضاري العام، موجود فعلاً في المناهج التعليمية. كما أن الإصلاح في هذا القطاع لم يتوقف أبداً، وأنه يتم بشكل دوري ومنتظم لمواكبة المستجدات على كافة الأصعدة.
فقد نفى حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم المصري (2003)، أن تكون الإدارة الأمريكية قد طلبت من مصر إجراء أي تغييرات أو تعديلات في مناهجها، مشيراً إلى أن مصر بدأت عملية التطوير دون طلب من أحد منذ سنوات.
وقال في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، “أؤكد أنه لم يطلب أي جانب منا أي تغيير في المناهج ولم يحاول أحد التدخل في هذا الشأن” وكان الوزير يتحدث في نهاية زيارة لواشنطن التقى خلالها بعدد من المسئولين وعلى رأسهم وزير التعليم رودي بيج، بالإضافة إلى مسئولي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأبناء الجالية المصرية، وخبراء التعليم.
كما قال فيما يتعلق بالمسائل التي تشغل البال حالياً، “لا يستطيع أحد أن يزايد على مصر بشأنها (المناهج التعليمية). مصر هي أول دولة تصدت للإرهاب ودفعت فاتورة ضخمة في تصديها للإرهاب”. وأضاف في تصريحاته التي أعقبت شرحاً لخبراء التعليم بمقر السفارة المصرية بواشنطن حول ما تطبقه مصر من تجارب تعليمية” ، “مصر لها دور كبير جداً في مقاومة التطرف ومقاومة الإرهاب ونحن طورنا مناهجنا دون أن يطلب منا أحد ذلك منذ سبع سنوات”. وأضاف في معرض نفيه شائعات ضغوط خارجية لتغيير مناهج التعليم: “كل المفاهيم التي يتحدث العالم الديمقراطي عنها اليوم أدخلناها في التعليم المصري منذ سبع سنوات”(*).
وأشار بهاء الدين في هذا الصدد ، إلى أن مناهج التعليم بالمدارس المصرية بعد تطويرها، أصبحت تتضمن مواد حول حقوق الطفل وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وقيمة التسامح ومقاومة الإرهاب والبيئة والسلام ورفض التطرف والمعلومات الصحية الأساسية وقواعد المرور والعولمة وأهمية إتقان العمل”.
كما أكد الملك فهد بن عبد العزيز في افتتاح السنة الثالثة من أعمال مجلس الشورى السعودي (2003/5/17) بخصوص الإصلاح:
“إننا نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة كانت وتحت أي ذريعة، فنحن حريصون كل الحرص على أن تظل كل شؤوننا الداخلية عرضة للمراجعة الذاتية التي لا تستهدف سوى الإصلاح … “لقد علمتنا التجارب في شرق الأرض وغربها أن الإصلاح الحقيقي هو الإصلاح النابع من عقيدة الأمة وتراثها، الإصلاح الذي تقبل عليه الأمة طائعة لا مسوقة ، الإصلاح الذي يتم بتدرج وسلاسة متجنباً السرعة المهلكة والبطء القاتل …” ويضيف بخصوص مناهج التعليم وأهدافه: “وأقول للمسئولين عن التعليم بجميع مراحله، أنهم هم الحاضنون لأجيال المستقبل وأن المناهج الهادفة الخيرة هي التي تغرس الأفكار و القناعات في الأذهان الغضة والنفوس البريئة، لما فيه خير الأمة وصلاحها، كما أن الخلل في التعليم – لا سمح الله – سبب رئيسي لأي انحراف فكري أو أخلاقي أو عجز عن العمل والمشاركة …”(*).
وأكد وزير التربية والتعليم في الأردن ، د.خالد طوقان أن”تعديل المناهج جزء من عملية تطوير النظام التربوي الذي تسعى الحكومة إلى تحديثه ليساير الأنظمة التربوية المعا صرة, وليس الاستجابة لظروف سياسية آنية”, مشيرا إلى أن ” التعديلات المقترحة منسجمة تماما مع الدستور الأردني والقيم و المبادىء التي تدعو إليها الحضارة العربية والإسلامية”. وأوضح أن” إدخال مفاهيم تتعلق بنبذ العنف والتفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، يأتي في إطار منظومة كاملة لحقوق الإنسان تعمل وزارة التربية والتعليم على صياغتها منذ عامين, من أجل نشر التسامح المنبثق من التعاليم الإسلامية والتراث العربي والإسلامي والقانون الدولي في صفوف الطلبة”.( عن جريدة الحياة عدد 17فبراير 2004).
جاءت هذه التأكيدات في سياق النقاش الواسع الذي أثير في الأوساط السياسية والتعليمية الأردنية ، حول الدعوة إلى تغيير المناهج الدراسية وخاصة حول إدراج ما يعرف “بمصفوفة مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة ” في ثنايا البرامج والكتب المدرسية. ونقل جزءا من هذا النقاش الهام ، باسل رفايعة في مقالة بعنوان :” الإسلاميون الأردنيون يرون في التعديل مؤامرة أمريكية “، نشرها في جريدة الحياة ( عدد14935) ،نقتطع منها لقرائنا الكرام، الفقرات التالية:
” ما الفرق بين شاب فلسطيني استشهد أثناء مقاومته الاحتلال الصهيوني الذي هدم منزله, وشرد أسرته, وشخص آخر اختطف طائرة ركاب مدنية, وهدد بقتل جميع ركابها، ما لم تفرج سلطات إحدى الدول عن رفاق له سجنوا بتهمة تهريب المخدرات ؟ ماذا تسمي مقاومة الشاب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني ؟ وما التسمية التي تطلقها على مختطف الطائرة ؟ ميز بلغتك الخاصة بين المقاومة المشروعة والإرهاب”.
هذه الفقرة أدخلتها وزارة التربية والتعليم الأردنية على منهاج التاريخ المعاصر، الذي يدرسه التلاميذ في مستهل المرحلة الثانوية, ضمن مشروع ” مصفوفة مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة” ، الذي قوبل بمعارضة في البرلمان والأحزاب.
“استغرق إعداد المشروع أكثر من عامين, وأدخلت مفاهيم جديدة إلى مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية والثقافة الوطنية والتاريخ الحديث للمراحل الدراسية كلها التي كانت تزدحم بثقافة حربية خالصة في بلد لم يسع في تاريخه إلى الحرب.
اللجان التوجيهية والفنية التي انهمكت في تعديلات المناهج لم تدع فرصة تشير فيها إلى ” العدو الصهيوني” و” احتلال فلسطين” إلا واغتنمتها, وأدخلت آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحض على السلام.
مصفوفة مفاهيم حقوق الإنسان وثقافة السلام والقيم العالمية المشتركة”. أدخلت إلى المناهج الأردنية أيضا, للمرة الأولى ، المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, وثبتت الاتفاق العالمي المتعلق بالقضاء على التمييز ضد المرأة, وكذلك اتفاق حقوق الطفل, وأضافت إلى الكتب المدرسية مفاهيم جديدة, مثل التسامح ونبذ العنف والتعاون والتنوع الحضاري وآليات صنع السلام.
لكن الجدل حول المصفوفة في أوساط المعارضة السياسية والبرلمان… ركز على مسوغاتها وأهدافها, ولم يتطرق إلى عشرات النصوص والمفاهيم التي أدخلت عليها. وبدا أن رفض التعاطي مع مضامينها جاء احتجاجا على إسرائيل, والولايات المتحدة المصممة على ترسيخ “ثقافة جديدة” بعد أحداث 11 سبتمبر.
وتسوغ ” المصفوفة” تحديث المناهج ” بتطور فلسفات التربية والتعليم في العالم و إيلاؤها حقوق الإنسان وثقافة السلام وحوار الثقافات أهمية كبرى في محتوى النظام التربوي و فاعلياته” وترى أن ” التراث العربي والإسلامي أفرد ركنا رئيسيا يؤكد أهمية تعريف مفاهيم ثقافة السلام من منظور الالتزام بالقيم والتراث العربي والإسلامي والانفتاح على الثقافات الأخرى واحترامها”, لاسيما أن ” المنطقة مليئة بظروف وبؤر اجتماعية واقتصادية وسياسية توفر بيئة خصبة لنشوء الصراعات بين الأمم والشعوب, في حين أكدت القوانين الدولية والاتفاقات والمعاهدات المحلية والعالمية أهمية إعداد استراتيجيات وقائية وعلاجية وتضمينها في النظام التربوي لتقليل فرص حدوث النزاعات وحلها بطرق إبداعية وسليمة.
ويرى الإسلاميون ، حسب باسل رفايعة، في الشارع وفي الجامعات وفي المؤسسة التشريعية، أن ” السلام” لا يعني إلا “الاستسلام” و إرغام الأجيال المقبلة على قبول إسرائيل جزءا من” المنطقة” ،وتناسي شعار “تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”. وكذلك الأمر بالنسبة لتعبير ” الانفتاح” وما يعنيه من استيراد لثقافة الانحلال وتوطينها في وعي الناشئة. أما “حوار الثقافات, ونبذ العنف” فليسا إلا وصفتين أمريكيتين لتكريس وبسط نفوذها على “العقول قبل الأرض في بلاد العرب والمسلمين “.
وباتت” المصفوفة” بسبب ذلك كله، مرفوضة جملة وتفصيلا, وأتى هذا الرفض على سائر المقترحات التربوية المتعلقة بحقوق المرأة والطفل, وحقوق المواطنين السياسية والمدنية والنقابية.
* * *
دافعت وزارة التربية و التعليم الأردنية، عن خطتها لتعديل المناهج, نافية تعارضها مع الثوابت الدينية والقومية والوطنية, ومؤكدة أنها ” قرار وطني غير خاضع لأي إملاءات خارجية”.
وأكد وزير التربية والتعليم الدكتور خالد طوقان أن “عملية التطوير التربوي التي تقوم بها الوزارة تنطلق من ثوابت راسخة لا تعتمد العشوائي وليد اللحظة أو الناتج من تغيرات أو ظروف سياسية آنية وهي غير مرتبطة بأية استحقاقات سياسية”.
ووصف طوقان المنهاج بأنه “دينامي بنائي ينمو في شكل مستمر و وله محتوى تربوي تكاملي, وإذا لم يحدث بحسب مقتضيات التطور العالمي, يصبح خاملا و جامدا, ولا يلبي حاجات المجتمع”.
ونفى ما أثير حول توقيت “المصفوفة” ومحتواها,مبينا أن “الوزارة شرعت في إدخال مفاهيم حقوق الإنسان إلى المناهج الدراسية منذ تسعينات القرن الماضي،على خلفية تأسيس المغفور له الملك حسين المركز الوطني لحقوق الإنسان”.
وأضاف أن “المصفوفة تمثل حقوقا معترفا بها عالميا, وتنسجم مع التراث العربي و الإسلامي , فلا أحد يقف ضد قيم العدل والمساواة والحق في التعليم والصحة والغذاء والبيئة النظيفة”.
وحول الاعتراضات التي طالت مشاركة اليونسكو في إعداد المصفوفة, قال طوقان: “اليونسكو جهة محايدة لا علاقة لها بالسياسة, و لا تعمل لحساب أحد”, موضحا أن ” الوزارة قدمت من خلال إدارة المناهج 20 مشروعا لإجراء دراسة لمسح المفردات والمفاهيم الموجودة في المناهج الأردنية حول حقوق الإنسان ، ووافقت اليونسكو على تمويل مشاريع قدمتها الجامعات والوزارات , من ضمنها هذه الدراسة”.
من جهة ثانية , لفت إلى مشروع التحول التربوي الذي أرست الوزارة أسسه العام الماضي تحت عنوان “التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي “, والذي يسعى “إلى إحداث تطوير نوعي في أربعة مكونات تشكل في مجموعها حلقات العملية التربوية.
يتمثل المكون الأول في إعادة توجيه السياسة التربوية واستراتيجياتها من خلال الإصلاح الحكومي والإداري, وتوفير نظام معلوماتي متكامل لدعم القرار التربوي, وتدريب العاملين في الوزارة على استخدامه, وتوظيفه بما يضمن معايير الجودة الشاملة”. و أشار إلى أن وزارة التربية “هي الوزارة العربية الوحيدة الحاصلة على شهادة “ايزو9000″.
أما المكون الثاني ,”فيتعامل مع تغيير البرامج والممارسات التربوية لتحقيق مخرجات تعليمية تنسجم مع الاقتصاد المعرفي ، من خلال تطوير المناهج وقياس التعليم . وتعمل الوزارة حاليا على تطوير مناهج الرياضيات والكيمياء وعلوم الأرض والبيئة والجغرافيا لتضاهي مناهج الدول المتقدمة. كما أعدت الوزارة مناهج الحاسوب للصفوف من السابع وحتى الثاني عشر بالتزامن مع إدخال أجهزة الحاسوب إلى المدارس.
ويتعلق المكون الثالث بتحسين البيئة المدرسية المشتملة على الأبنية والمرافق والمختبرات, فيما يركز المكون الرابع على التوسع في مرحلة رياض الأطفال, وطرح مناهج خاصة بها”.
وأوضح مصدر في وزارة التربية الأردنية أن المصفوفة تقوم على 4 محاور أساسية:
1- حقوق الإنسان وتشمل حق الحياة و الحرية والمساواة والكرامة والمشاركة و والمساءلة, والحق في إبفاء التأمينات الاجتماعية وحق العمل والحق في التعليم والتكافل والزواج وتكوين أسرة،والإنسانية في مفهومها العالمي, والعدالة, والحماية القانونية.
2- ثقافة السلام وتشمل السلام والحوار ونبذ العنف, , والنزاعات وأبعادها واليات صنع السلام و التعاون والتنوع الحضاري والعالمية.
3- القيم المشتركة على الصعيد العالمي, وتشمل التربية والحداثة والديموقراطية وحماية البيئة وحماية التراث والمسؤولية المشتركة تجاه الإنسانية والحقوق الثقافية للإنسان.
4- النصوص الثقافية والأدبية والإبداعية المتنوعة والتي يبلغ عددها 81، و استبعد منها 223 مفهوما لكونها إما موجودة في المباحث الدراسية أصلا, وإما غير منا سبة للمستوى العمري للتلاميذ في المراحل العمرية المستهدفة. وخلص المصدر إلى أن ” أعضاء إدارة المناهج سيعملون على إدخال مفاهيم المصفوفة سنويا و بشكل تدريجي إلى الكتب المدرسة”.( عن ليلى خليفة،جريدة الحياة، عدد 17 فبراير 2004).
* * *
وخلاصة القول، فإن هذه الدعوات إلى الإصلاح والتطوير، ومهما كانت منطلقاتها، تتفق في نهاية التحليل، على ضرورة أن يكون التغيير المنشود في برامجنا التعليمية وأهدافنا التربوية، ذاتياً ونابعاً من متطلبات الواقع و من احتياجات مجتمعاتنا العربية و مطامحها نحو السلم والتقدم والوحدة.
إننا نعتقد في ضرورة أن تبقى مناهج التعليم في أنظمتنا، فضلاً عن تفتحها على الغير ودعوتها إلى ترسيخ قيم التعاون والتسامح والازدهار، حريصة كل الحرص على مواجهة كافة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها الأمة العربية، وفي مقدمتها الخطر الثقافي والمتمثل في الغزو الثقافي والفكري من الداخل والخارج وفرض الرأي الواحد والنموذج الحضاري الواحد والوحيد، وتكريس المعتقدات وأنماط السلوك الغربي، خاصة في مظاهرها السلبية والمنحرفة وبصفة أخص في توجهاتها نحو الهيمنة والسيطرة. ولتلك المخاطر، بطبيعة الحال، آثارها السلبية في الشخصية العربية – الإسلامية وعلى الفكر العربي ويمكن أن تُؤدي في النهاية إلى عزل الوجود العربي و تهميش دوره ومسخ مشروعه الحضاري وتطلعاته نحو الوحدة و السلم والرخاء.
كما أصبح التحدي القيمي والثقافي ملازماً للأمة العربية في حربها ضد الجهل والفقر والمرض. ولقد كان دائماً هدف الغرب هو نقل وفرض قيمه وأفكاره على الوطن العربي، بل وعلى العالم بأسره، انطلاقاً من قناعته بأن القيم والثقافة العربية والإسلامية تعطي للعالم العربي والإسلامي صفة التميز الحضاري، كما أن القيم والثقافة الفرانكفونية على سبيل المثال، تعطي لفرنسا وللعالم الناطق بالفرنسية ،صفة تميزه الحضاري عن العالم الأنجلوسكسوني أو الأمريكي اللاتيني أو الهندي أو الصيني… إننا نؤمن بضرورة التنوع والاختلاف وتعدد المحاور والأقطاب.
ولا يعني قولنا هذا أن مناهج التعليم والبرامج والكتب المدرسية المعمول بها في الوطن العربي، في غير حاجة للتطوير والتحديث بل بالعكس إنها بحاجة لمراجعة عميقة وشاملة.
إلا أن التطوير المطلوب, لابد وأن يستهدف تعزيز قدرات الطفل على التفاعل المبدع مع العصر وتمثل مكتسباته العلمية والتكنولوجية , والتعاطي العقلاني والموضوعي مع مختلف القضايا وذلك بإدراك الدلالة الحقيقية لمبادئ ديننا الحنيف ،الإسلام ، والتشبع بقيمه ومثله العليا . و يكون الإنسان في فكره وعمله نبراسا يقتدى به, لما يمتاز به من كفاءة و إبداع وقدرة على التفاعل و المشاركة الايجابية في مواجهة التحديات وبناء الحضارة الإنسانية، على أسس من العدل والمساواة واحترام الآخر ورفض كل أشكال العنف والهيمنة والطغيان. فضلا عن التميز بسمو الخلق والثقة بالنفس والاعتزاز الواعي بتاريخنا و بموروثنا الحضاري .
فلا أحد ينكر إذن ، في عالمنا العربي ، ضرورة تعديل مناهج التعليم وتطوير الطرق و الاستراتيجيات التعليمية الملائمة، بحيث تتواءم مع احتياجات العصر الحديث والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يجتاح العالم في مختلف مناحيه. لكن تعديلاً ينحو لإنكار حقائق التاريخ وتحريف ما يمكن تحريفه خدمة لمصالح غريبة ونفي لكل ما قامت عليه الفلسفة التربوية للأمة ،من قيم ومثل عليا ومبادئ عبر تاريخها المجيد، نقول إن تعديلاًً مثل هذا مرفوض.
______________________________
(*) سلامة أحمد سلامة (2003): “تعديل مناهج التعليم بيدنا أم بيد عمر؟” صحيفة الخليج، عدد 2 يونيو 2003.
(**) عن: حسن عبد الموجود: “كارثة ثقافية جديدة … مناهج التعليم العراقية على طريقة “عالم سمسم”، جريدة أخبار الأدب، عدد 27 إبريل 2003، القاهرة.
(*) عن: تحقيق وحول: “تحديث الخطاب الديني طريق الأمة الإسلامية للخروج من النفق المظلم”، إعداد آمال عثمان وآخرون في أخبار اليوم”، عدد 17 مايو 2003.
(*) عن صحيفة “الشرق الأوسط”، عدد 2003/5/18.
المصدر: موقع تعليمنت من هـــــنـــــا