تخليدا لليوم العالمي للغة العربية ( 18 دجنبر ) ، والذي يصادف هذه السنة مرور ربع قرن على تأسيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب سايس فاس، نظمت شعبة اللغة العربية بالكلية و بشراكة مع الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية يومي 20 و 21 دجنبر2017، بفاس ندوة علمية في موضوع ” آفاق تدريس اللغة العربية – الواقع والتحديات – “.
افتتحت الندوة يوم الأربعاء على الساعة التاسعة صباحا بقاعة الندوات بمكتبة الكلية ، وقد ترأست الجلسة الافتتاحية الأستاذة ” زهور حوتي”، و بعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم ، رحبت بالحضور الكريم وذكّرت بالسياق الذي تُنظم في الندوة، لتتوالى بعد ذلك كلمات السادة الأساتذة، وهم:
-
كلمة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس الدكتور محمد بوكبوط؛
-
كلمة السيد رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية بفاس الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي؛
-
كلمة السيد رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها الدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي؛
-
كلمة اللجنة المنظمة ألقتها بالنيابة الدكتورة زهور حوتي.
بعد انتهاء كلمات السادة الأساتذة، ألقى الدكتور محمد يعيش قصيدة شعرية رائعة ومعبرة كهدية رمزية بالمناسبة ، ثم أعقبه حفل تسليم هدية للمحتفى به الدكتور “حسن الغرفي” تكريما له على ما قدمه من مجهودات جبارة في سبيل خدمة اللغة العربية والنهوض بها، وكذلك باعتباره أول رئيس لشعبة اللغة العربية بالكلية.
بعد استراحة قصيرة، انطلقت أشغال اليوم الأول من الندوة بجلسة علمية أولى تحت عنوان ” واقع تعليم اللغة العربية وتعلمها بالمغرب”، ترأسها الدكتور عبد الحي الرايس بصفته كاتبا عاما للجمعية، وقد اشتملت على أربع مداخلات قيمة، الأولى في موضوع ” منهاج اللغة العربية في منظومة التعليم المدرسي / واقع الأجرأة وآفاق التطوير” ومن تقديم الدكتور محمد الفتحي عن المركز الجهوي للتربية والتكوين بفاس، حيث جاء في محاورها ما يلي:
-
الارتقاء بتدريس اللغة العربية أضحى موضوع نقاش عمومي، ودخول مفاهيم جديدة إليه ( استراتيجيات – تخطيط .. )
-
اللغة وسؤال الإصلاح البيداغوجي / المنظور البيداغوجي لتدريس اللغات، وترسيم العربية في الدستور المغربي؛
-
اللغة العربية ضمن منظور الخريطة اللغوية بالمنظومة : أهمية اللغة العربية في خيارات السياسة اللغوية بالمغرب؛
-
المنظور البيداغوجي : مكونات المادة وفق مدخل الكفايات، حيث عرّف بهذه المكونات وهي القراءة والدرس اللغوي والتعبير والإنشاء؛ وأشار إلى نظريات التعلم والطرائق الديداكتيكية، ومثّل لها بأمثلة توضيحية؛
-
الإشكالات والصعوبات المعيقة لتنمية اللغة العربية في المنظومة التربوية وكيفية تجاوزها، وذلك من خلال تقرير المحلس الأعلى للتربية والتكوين، والتقرير الموضوعاتي الصادر سنة 2009 عن البرنامج الوطني للتحصيل الدراسي لسنة 2008، حيث عرض جدولا يلخص نتائج مقارنة بين اللغة العربية واللغة الفرنسية في الأسلاك الثلاث ، تبين من خلالها أن النتائج المحققة دون الطموحات وتوجهات الخطاب التربوي، مما يحتاج إلى مزيد من المجهودات لخدمة اللغة العربية وتنميتها على مستوى التعلم.
-
ومن التدابير غير الموفقة – في نظر الباحث – المتخذة من طرف المسؤولين عن الشأن التربوي: تعدد الكتب المدرسية، ثم اختزالها في كتاب واحد لدى كل مديرية، ومراجعة البرامج والمقررات بحذف بعض الدروس ( أفعال الكلام من الثانوي التأهيلي مثلا في حين اللغات الأخرى تبرمج هذه الدروس في السلك الابتدائي)، وكذلك تقليص الغلاف الزمني لمادة اللغة العربية من ست ساعات إلى أربع ساعات في الأسبوع، وضف إلى هذا، الانفتاح المحتشم على المعرفة اللسانية والوسائط المعلوماتية وضعف التأطير والمراقبة للمدرسين.
وفي الأخير أكد الأستاذ الباحث على ضرورة اعتماد منهاج اللغات المندمج قصد استفادة اللغة العربية من منهاج اللغات الأخرى، وتعزيز المعرفة النصية والخطابية، والتمكن من بلورة تصور شمولي للسياسة اللغوية، مع الحرص على منظومة القيم والمعرفة الحديثة وعدم الفصل فيما بينها على مستوى التدريس.
أما المداخلة الثانية فقدمها الدكتور مصطفى شميعة بصفته مفتشا للغة العربية بمديرية شفشاون، وكانت معنونة بـ” تدريس اللغة العربية بالمدرسة المغربية – الإشكال والمأمول “، تساءل خلالها عن أوجه الأزمة التي يعاني منها واقع اللغة العربية، وعن الحلول التي تكسر جدار الأزمة الذي يحول دون الارتقاء بتدريس اللغة العربية، وقد حصر الباحث إشكال المنظومة التربوية في مستويين، هما:
-
مستوى التوظيف بالتعاقد: جاء نتيجة لاختيارات سياسية تحت ضغط الاحتجاج وسد الخصاص الهائل في أطر التربية والتعليم المترتب عن التقاعد النسبي الذي أقدم عليه المدرسين لما حل بهم من شعور بالإحباط والملل، ومن جراء الوضع المزري والهش الذي أضحت تتخبط فيه المدرسة العمومية، مما فتح أبواب الأعطاب وجنى على المدرسة. فالتوظيف بدون تكوين ولا تحكم في آليات النقل الديداكتيكي، والزج بخمسة وثلاثين ألفا من المدرسين بدون تكوين، سلاحهم الوحيد كتاب مدرسي هش، يجعل تأقلمهم صعبا، بل يؤدي إلى تخريب جيل كامل من الناشئة. ولهذا أكد الباحث على ضرورة التكوين كما أكد على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي، أما التوقف عنه فيعد عبثا في نظر الباحث لا غير.
-
الممارسة البيداغوجية الصفية: أكد الباحث على أن الهدف من تدريس اللغة هو التواصل بها قراءة وكتابة وتعبيرا، وهذا لا يتحقق في التعليم الابتدائي، مما يفتح الباب للهدر المدرسي وتفاقمه، كما أعزى الباحث عدم التمكن من القراءة إلى ضعف الجانب البيداغوجي والديداكتيكي، فمضامين مادة اللغة العربية قديمة؛ ونصوصها قصصية يغيب عنها النقد والنقاش والتأويل، كما تُقدم بشكل تقليدي ولا تراعي الجانب الوظيفي التواصلي في مجال الدرس اللغوي، فالكفاية التواصلية أضحت مجرد حكم مسطر، وشعار براق بدون مخارج ملموسة، إذ لا تملك الوزارة الوصية تصورا واضحا لتنزيلها. فالمتن اللغوي يجب أن يقدم حسب الحاجة العمرية للمتعلم وعلى أساس النظريات السوسيولسانية والبسيكولسانية أيضا.
فبعد أن قدم الباحث نقدا لاذعا لتوظيف المدرسين بدون تكوين بيداغوجي، مبينا عيوبه والتي تنعكس على مستوى الممارسة الصفية، ولا تسعف في تجويد عملية التعليم والتعلم، قدم حلولا لتجاوز الإشكال الذي طرحه في بداية المداخلة، وتُلخص هذه الحلول فيما يلي:
-
تفعيل البعد الوظيفي؛
-
إعادة النظر في المناهج التعليمية؛
-
تأهيل المدرسين وعدم الزج بهم في الممارسة الصفية دون تكوين؛
-
تنمية الفعل القرائي؛
-
اختيار نصوص وظيفية ترقى بوعي المتعلم وتنمي حسه النقدي؛
-
إحداث ورشات القراءة؛
-
تعزيز التأطير والمراقبة التربوية؛
-
انخراط الجميع في مشروع الإصلاح؛
-
خلق أجواء التعلم الوظيفي لبناء الذات والقراءة للمتعة.
والمداخلة الثالثة قدمها الأستاذ رشيد شاكري بصفته مفتشا تربويا بمديرية فاس، وقد عنونها بـ” تدريس القراءة وفق الطريقة المقطعية”، حيث تناول في المحور الأول وزن مادة اللغة العربية في المنهاج الدراسي، فقدم إحصاءات دقيقة جدا في الجانبين الوصفي والتحليلي تبين من خلالهما أن ثلثي المتعلمين في التعليم الابتدائي لا يمتلكون عتبة التحكم في اللغة العربية والقراءة أيضا، وهذا يؤدي حتما إلى تفاقم ظاهرة الهدر المدرسي. أما في المحور الثاني فتطرق إلى تعليم القراءة وتعلمها وفق الطريقة المقطعية، مقدما عرضا مفصلا عن النظرية المبسطة للقراءة تناول فيه ما يلي:
-
خصائصها: توافقها مع الكيفية التي يعالج بها الدماغ المعلومة، واستنادها إلى الدراسات العلمية، وكذلك تناسبها وطبيعة اللغة العربية، بالإضافة إلى اعتمادها على التدرج من السهل إلى الصعب؛ ومن البسيط إلى المركب؛ ومن المنطوق إلى المكتوب.
-
مكوناتها: الوعي الصوتي( الإدراك )، والتطابق الصوتي والإملائي ( ربط الوحدة بالشكل الخطي)، والطلاقة( القراءة السليمة والمعبرة والسريعة)، والمفردات( تنمية المعجم) والفهم( بناء معاني النص).
-
مهارات الوعي الصوتي: القافية والعزل والتقطيع والدمج والحذف والإضافة والتعويض والسجع والتجزيء المقطعي وإعادة الترتيب.
-
أهم المهارات القرائية وفق الطريقة المقطعية: أشار فيها إلى الترتيب الديداكتيكي للصوامت حيث اعتمد في الدراسة على ثلاثة معايير وهي النطق( مخرج الصوت) وحركة اليد ( عدد مرات رفع اليد خلال رسم الحرف) والشكل البصري( النقطة والقوس والخط العمودي – ا -)، وبناء على هذه المعايير قدم الباحث في دراسته ترتيبا جديدا للحروف ( د، م، ر، ف، ل ، ص، ذ، ط ….).
وبعد مدة زمنية قصيرة، انطلقت أشغال الجلسة العلمية الثالثة برئاسة الدكتور حسان حجيج عن كلية الآداب سايس ، واختِير لها عنوان ” اللغة العربية بالجامعة المغربية”، حيث رحب السيد الرئيس بالأساتذة والباحثين والطلبة، ثم ناول الكلمة للدكتور عبد الرحمان يحيوي عن كلية الشريعة بفاس؛ والذي قدم مداخلة بالمناسبة في موضوع” دور الجامعة ومراكز البحث العلمي في النهوض بتعليم العربية والدفع بها للانخراط في عصر المعرفة”، فبعد أن قدم الموضوع ومحاوره، طرح إشكاله المتمثل في : هل تساهم الجامعة المغربية في جعل اللغة العربية وسيلة لإنتاج المعرفة؟، وسلط الضوء على الوظائف الجديدة للغة في سياقات إعادة بناء منظومة تعليم اللغات، وهي أدوار معرفية وتقنية واقتصادية، فما يسوغ الربط بين اللغة والمعرفة هو ربط الجامعة بالمحيط الجديد الذي يتجلى في عصر المعرفة، فمحيط اليوم مختلف تماما عن محيط الأمس، وذلك لما نعرفه من ثورة صناعية وتكنولوجية معلوماتية تقتضي الانفتاح على مستجداتها والانخراط اللغوي فيها، فالمعرفة صارت هي الرأسمال الجديد، والنتاج المجدي، والمورد المتجدد، والأساس المتين لكل تنمية. وفي هذا الصدد أشار الباحث إلى مختلف الواجهات التي عملت عليها الجامعة للنهوض بقضايا اللغة العربية، وركّز حديثه على واجهتين اثنتين ، الأولى همت خيار الترجمة وأثره في تطوير اللغة العربية في الجامعة المغربية، استعرض فيها الباحث عددا كبيرا من الكتب المترجمة ورواد الترجمة بالمغرب وما قاموا به من أدوار طلائعية في هذا الباب، ومنهم على سبيل الذكر محمد الجابري ومحمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي وابراهيم الخطيب وسالم يفوت وبنسالم حميش ومحمد عزيز لحبابي. وفيما يخص الواجهة الثانية أكد على توطين المعرفة باللغة العربية في المغرب ، وأشار إلى الاسهامات العلمية في تطوير المعجم العربي، وإلى ما تقوم به كليات العلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، وكليات الطب والصيدلة أيضا في سبيل خدمة اللغة العربية من خلال إنجاز وتقديم أبحاث علمية بها.
أما المداخلة الثانية فعنونها الدكتور عبد الرحمان مسؤول عن كلية الآداب سايس بـ ” تدريس اللغة العربية بشعبة الدراسات الإسلامية” ، وأكد فيها على قلة حصص اللغة العربية بشعبة الدراسات الإسلامية ( مجزوءة واحدة أحيانا)، مما يستوجب تقريرها في كل الفصول ومسالك الإجازة، وقد اقتصر في مداخلته على عرض حاجات الشعبة، ونجملها فيما يلي:
-
ضرورة دراسة الطالب في الدراسات الإسلامية للغة العربية لأن خطاب الشريعة الإسلامية عربي ( القرآن كريم و السنة النبوية وعلومها)؛ فلا فهم للشريعة دون التمكن من علوم اللغة العربية؛
-
الاطلاع على ثقافة العصر ضرورة لعالم الشريعة؛
-
الدرس الصوتي ( علم الأصوات) الحديث ضروري للقراءات القرآنية.
كما قدم الباحث خطة طريق للنهوض باللغة العربية عبارة عن كليات مساعدة للطالب، وهي:
-
الاهتمام بالمعاني : دلالة اللفظ في سياقه وقرائنه؛
-
الانتقاء الجيد للشواهد القرآنية وغيرها؛
-
ربط القواعد اللسانية بالنصوص التأسيسية: القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام العرب من نثر وشعر وأمثال؛
-
ضرورة الإكثار من المطالعة للكلام العربي الفصيح؛
-
تعلم اللغات الأخرى، وعدم إدخال المصطلحات المنطقية لحقل علم النحو.
وتناولت المداخلة الأخيرة خلال هذه الجلسة ” أفاق تدريس المصطلح العربي بالجامعة المغربية – نقد وتقييم”، وعالج فيها الدكتور رشيد سلاوي إشكالات المصطلح العربي وتدريسه بالجامعة المغربية، باعتباره مفتاحا للفهم الصحيح للفظ ، فمادة علم المصطلح بسلك الإجازة تتناول مختلف قضايا المصطلح من مبادئ عامة وتوليد ووظائف ومصطلح نقدي وغيرها، أما خلال الماستر فتهتم بمفاهيم القرآن والحديث ومصطلحاتهما وإحصائها، وفي هذا الجانب أكد الباحث على اهتمام المؤسسات الغربية بعلم المصطلح ونهوضها به مقارنة بالعالم العربي الذي يعرف جهودا محدودة تمثلت في الرؤية التي قدمها الأستاذ أمجد الطرابلسي، وفي جهود جامعة سيدي محمد بن عبد الله من خلال ما قدمه الدكتور الشاهد البوشيخي بمعية أساتذة شعبتي اللغة العربية والدراسات الإسلامية والطلبة أيضا. ومن التوصيات التي ختم بها الباحث مداخلته، دعوته إلى أن تتضمن الجامعات كلها تخصص علم المصطلح، وإلى تعميم تجربة جامعة سيدي محمد بن عبد الله فيما يخص هذا التخصص على باقي الجامعات المغربية.
خلال اليوم الثاني استأنفت الندوة عروضها العلمية بجلسة علمية تضمنت ست مداخلات علمية، سيّرها الدكتور محمد بوحمدي عن كلية الآداب ظهر المهراز، وكانت تحت عنوان” دور شعب اللغة العربية في النهوض باللغة”، فكان أول المتدخلين الأستاذ عبد الرحمان بودرع عن كلية الآداب تطوان في موضوع ” مناهج التعليم الجامعي – تصور واقتراح”، حيث ذكّر بكون الجامعة ليست منفصلة عن المحيط الثقافي والهوية الوطنية واللغة العربية، فلابد في نظره، من إعادة تركيب الذات وتشكيل الهوية التي منها المتحول ومنها الثابت، وعموما يرى الباحث أن هناك ضعف في تنمية اللغة العربية على جميع المستويات، إذ هناك مجهودات نظرية لكن يجب استثمارها بالاستعمال والتداول في كل نواحي الحياة، وبناء على هذا فقد لخص أزمة الجامعة المغربية في نقطتين أساسيتين هما:
-
معيار إنجاح تدريس اللغة العربية، وأكد فيه على ما يلي:
-
إعادة الاعتبار لتداول اللغة العربية بشكل فصيح وسليم قصد الانعتاق من الاستلاب اللغوي؛
-
التفكير في سياسة تعليمية راشدة باستثمار المصادر والمعاجم، إذ هناك تركيز على تنمية الاقتصاد وإهمال للغة التي بها تنهض الأمة؛
-
ضرورة استئناف المشروع العربي في المعاجم، وإضافة كل المفردات الجديدة إليه التي تُحتاج في كل المجالات مع انضباطها للقياس اللغوي العربي قصد صنع المصطلح وانتظام اللغة العربية في المشروع الحضاري؛
-
اتخاذ اللغة العربية للتفكير والتعبير والتواصل لتحقيق التنمية البشرية؛
-
إحياء المعاجم وموادها اللغوية وإعادة استعمالها.
-
البحث الأكاديمي : ألح الباحث على ضرورة إعادة النظر في سياسة البحث العلمي ككل، فقد دخلت أساليب عديدة غريبة غير قياسية مع تسويغ من اللسانيات الاجتماعية إلى النسق العربي من الإعلام والمنابر واللافتات والشعارات، ووصلت إلى ألسنة الباحثين الأكادميين أيضا، مما أدى إلى اتساع الحيز غير القياسي واستفحلت العجمة، واضمحلت العروبة بالركاكة وسوء البيان، فالانحراف اللغوي قديم إلا أنه اتسع أكثر اليوم، وهذا ما استدل عليه الباحث بأمثلة حية كثيرة من المخالف للمسموع في اللغة العربية، سواء فيما يتعلق بصياغة العناوين في الأبحاث الأكاديمية، أو فيما يتصل بالمعجم والتركيب والنحو والأسلوب.
هذا، وقد تناولت الدكتورة زهور حوتي عن كلية الآداب سايس في مداخلة لها بعنوان” اللغة العربية وسبل مواجهة العولمة – التعليم العالي نموذجا” ما خلفته وتخلفه العولمة من سلبيات على اللغات والثقافات متسائلة عن سبل مواجهتها في التعليم العالي، فمن المشاكل التي تتخبط فيها اللغة العربية في نظر الباحثة انتشار اللغات العامية / المنطوقة وتهديدها اللغة الفصيحة الأم حتى جعلتها في مستوى ثان من التجسيد اللغوي، وأعْزت هذا الانتشار المهدد للعربية إلى كون اللغة المنطوقة هي لغة التداول اليومي، والوضع يزداد خطورة لما نجدها في المنظومة التعليمية في عمليات الشرح والتحليل والتخاطب بسبب ضعف التعريب، بالإضافة إلى الأوهام اللغوية الراسخة لدى الأسر، والتي تتجلى في توجيهها لأبنائها إلى تعلم اللغات الأجنبية متوهمة أنها لغة الشغل والاقتصاد والمستقبل، وهذا وهم وغلط خطير مردود، لأن اللغة العربية قديما حافظت على قوتها وصمدت رغم الانفتاح الذي فرضته الفتوحات الإسلامية على شعوب أخرى غير عربية، بل كان التأليف بالعربية في العلوم كلها كالطب والفلك والرياضيات .. مما يؤكد أنها لغة قادرة على الإنتاج الفكري واستيعاب العلوم ونقلها.
فالعولمة تيار جارف يحارب التعدد الثقافي واللغوي ويروج للنموذج الواحد، فتظهر اختلالات في كل المجالات، فعلى مستوى الجامعة، يلتحق الطالب بشعبة اللغة العربية بعد أن يكون قد راكم اختلالات شتى خلال الأسلاك التعليمية، ويتسجل دون قيد أو شرط ، لاسيما في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية لإعادة النظر فيه، ومن نقاط الضعف أيضا ، التدريس بنظام الوحدات و افتقار الشعبة إلى مواد أساسية كتقنيات التعبير والتواصل والمناهج، وتخصيصا فصلا واحدا لبحث الإجازة، علاوة على قلة اللقاءات العلمية بسبب ضعف الدعم المالي. ولمواجهة كل هذه المشاكل اقترحت الباحثة حلولا أهمها:
-
إحداث محترفات للمسر والشعر والكتابة وتشجيع الترجمة؛
-
تحبيب معانقة الطالب للتراث اللغوي العربي، وتعويده على التحدث بالعربية الفصحى.
أما الدكتور محمد بوطاهر عن كلية الآداب سايس، فقدم مداخلة علمية تحت عنوان” جدلية الفكر واللغة اكتسابا واستعمالا”، تطرق خلالها إلى اكتساب اللغة واستعمالها من خلال نظريتين في الفكر اللغوي العربي القديم، وهما:
-
نظرية اكتساب الملكات عند ابن خلدون في كتابه “المقدمة”: إن الإنسان جاهل بالذات وعالم بالكسب، والعقل البشري يمر بثلاث أطوار خلال اكتساب الملكة ( التمييزي – التجريبي – النظري )، فكل الملكات صناعة، وعيش الإنسان في محيطه يجعله يكتسبها بشكل طبيعي عن طريق الحس كمرحلة أولى، وباكتساب الطفل اللغة يصبح في مرحلة التمييز والتصنيف، ثم معرفة الأجناس والأنواع ليضع الفرضيات بالتجريب، فينتقل بذلك إلى الفكر المجرد. فإدراكات الحواس الخمس يربطها العقل بالصور السمعية، فلا أحد يمكنه أن يخطئ أحدا في لغته الأم المكتسبة بالطريقة الطبيعية السمعية.
-
نظرية البيان السيميولوجية عند الجاحظ في كتابه ” البيان والتبيين”: وضح الباحث هذه النظرية، وقد ساق نصوصا للجاحظ تؤكد ما تطرق إليه في نظرية الملكات، وأشار كذلك إلى نقط التقاء هاتين النظريتين معا مع ما تؤكد عليه اللسانيات الحديثة على اختلاف تياراتها.
وبالنسبة للدكتور عبد الإله سيار عن كلية الآداب سايس كذلك، فقد ساهم بمداخلة حول شعبة اللغة العربية في صيغ الإصلاح ( 2003 – 2009 – 2014) ، قدم خلالها ملاحظات دقيقة عن الحصيلة الأكاديمية للشعبة اتخذت طابعا إحصائيا دقيقا قارن فيه بين النظامين القديم والجديد، وبين أعداد الطلبة المسجلين بشعبة اللغة العربية ابتداء من سنة 2003 وإلى غاية سنة 2014، وبين نظرائهم المسجلين بشعبة اللغة الفرنسية وشعبة اللغة الانجليزية، كما قارن بين شعبة اللغة العربية بسايس ونظيرتها بظهر المهراز أيضا، ليستنتج من مقارنته هاته وجود تراجع كبير في الإقبال من لدن الطلبة الجدد على التسجل بشعبة اللغة العربية، وهذا يعزى في نظره إلى فتح مسلكين جديدين بالكلية خرجا من رحم شعبة اللغة العربية هما مسلك علوم الإعلام والتواصل ومسلك الدراسات الأمازيغية. وفي الأخير دعا الباحث إلى تجاوز وضعية القطب الواحد ( مسلك = شعبة )، وإلى تنويع العرض التربوي باستحداث مسالك مهنية جديدة. ليتدخل الدكتور محمد شكري عراقي حسيني بعده عن كلية الآداب سايس أيضا بعرض علمي في موضوع” الدرس اللغوي بشعبة اللغة العربية بين المقتضيات المعرفية والإكراهات الأكاديمية”، وقد تطرق إلى تدريس مادة النحو بشعبة اللغة العربية من جهة الأستاذ ومن جهة الطالب. فأكد على معرفة الأستاذ بعلم النحو العربي القديم، وإلمامه بالنظريات اللسانية الحديثة عن طريق الدراسات والترجمات أو لغتها الأم، وكذلك اطلاعه على العلوم الأخرى من فلسفة وعلم كلام وقراءات وغيرها. أما من جهة الطالب ، فهو يأتي برصيد لغوي نحوي مضطرب ومشتت وضعيف، مما يجعل الطالب والأستاذ يعانيان معا، ولهذا وجب التركيز على الطالب ومعرفة معاناته بشكل علمي، ولإظهار ضخامة حجم هذه المعاناة، أورد الباحث نماذج لأوراق مصححة من امتحان مادة النحو تجسد أخطاء كارثية تعكس وجود خلل كبير في المنظومة التعليمية، وانطلاقا من هذا الواقع المر أوصى الباحث بضرورة إحداث مادة التعبير الكتابي والشفهي كحل عملي للمعضلة، فحماية العربية لا تكون بإهمال النحو فهو عماد استمراريتها وتجددها، وهو – على حد تعبير الباحث- في العربية ومن العربية وبالعربية وإلى العربية.
أما المداخلة الأخيرة خلال الجلسة فتقدم بها الدكتور أحمد العلوي العبدلاوي في موضوع” دور شعب اللغة العربية في التمكين للغة العربية داخل المجتمع المدني” أشار فيها من جهة، إلى الطلبة والأساتذة وحثهم على ضرورة تحصين الذات، وطالب بإعداد الظروف المناسبة للشعب لأداء مهامها، ومن جهة أخرى ، ذكر كل مكونات المجتمع المدني، وأكد على أن النجاح يتحقق بالتواصل بين الشعب ومكونات المجتمع المدني كاملة، وبمعرفة طريقة تفكير كل فئة من فئاته وهذا يقتضي المعرفة بعلوم أخرى؛ كعلم النفس اللغوي وعلم النفس المعرفي وعلم اللغة الاجتماعي وغيرها، ليخلص في عرضه إلى عدة توصيات وجهها للجامعة المغربية ولباقي المسؤولين على حماية اللغة العربية وتنميتها، وهده أهمها:
-
الإسهام في محاربة الأمية وتحرير المواطن من الجهل؛
-
تذكير المجتمع المدني بانتمائه إلى اللغة العربية؛
-
تنبيه من يعتقدون أن العربية غير قادرة على استيعاب العلوم إلى قدرتها على ذلك؛
-
توسيع آفاق التوعية الحضارية؛
-
التنبيه إلى مكانة العربية في الأمم المتحدة وغيرها من الهيآت؛
-
خدمة العربية خدمة للدين الإسلامي وواجب تعلمها؛
-
التنبيه إلى أخطار العولمة؛
-
إشاعة روح القراءة في المجتمع؛
-
التنسيق مع الجمعيات الغيورة على اللغة العربية؛
-
خلق خلايا داخل المجتمع المدني هدفها النهوض بالعربية؛
-
إصدار نشرات دورية وبرامج إذاعية بالعربية الفصيحة؛
-
تفعيل قرارات المجمعات اللغوية العربية بخصوص استعمال العربية في المؤسسات؛
-
تصحيح الأخطاء الشائعة؛
-
الاهتمام بالعربية في برامج الأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام؛
-
إقناع المدارس الخاصة بتدريس العربية بنصيب وافر؛
-
تنبيه أصحاب المحلات التجارية للإعلان بالعربية؛ ودفع المسؤولين لتخليق الحياة العامة بخصوص الإشهارات لجعلها بالعربية؛
-
الإكثار من الحديث عن أعلام العربية الذين خدموها؛ والتذكير بتأثير العربية في اللغات الأخرى؛
-
العمل على تطوير الحاسوب لخدمة اللغة العربية؛
-
ربط العربية بالمحيط وسيلة استراتيجية للرقي باللغة بشكل عملي؛
-
قضية اللغة العربية يجب أن تصبح قضية شعب وحكومات، لا قضية متخصصين.
عقب نهاية كل الجلسات العلمية كان يفتح رئيسها لائحة للمتدخلين من الحضور أساتذة وطلبة لمناقشة القضايا التي طرحها الأساتذة في مداخلاتهم العلمية.
انتهت الندوة بجلسة ختامية أدارها الدكتور عبد الله الغواسلي المراكشي رئيس شعبة اللغة العربية بكلية الآداب سايس، وقدم خلالها السادة الأساتذة شهادات في حق الدكتور المحتفى به حسن الغرفي باعتباره أول رئيس للشعبة، وقد عبروا فيها عن حبهم لشخصه، وامتنانهم له، ووفائهم وتقديرهم لخصاله الإنسانية، لما بذله من مجهودات جبارة وتضحيات جسيمة في سبيل تدريس اللغة العربية وآدابها والنهوض بها على مدى أكثر من ثلاث عقود خلت، كرّس خلالها عمره للبحث العلمي، والتدبير الإداري والتوجيه التربوي بروح وطنية عالية، تنم عن حب كبير للوطن، وعن وطنية صادقة عميقة، وعن إخلاص في العمل وإتقان له. وبعد أن فرغ الأساتذة من شهاداتهم المؤثرة قدم المحتفى به كلمة تحت عنوان ” تأملات في تجربة نقدية ” أوجز فيها ما توصل إليها من حقائق في مجال النقد كزبدة لحياته ومساره العلمي الحافل بالبحث العلمي والعطاء الغزير.
عبد العزيز الــطــــوالــــي