الشاعر توبياس بورغارد اختار أن يوطّن انشغاله الشعري عند نقطة التقاء الثقافات واللغات الأوروبية والأميركو-لاتينية وأصوات الثقافة العربية البعيدة.
العربحسن الوزاني [نشر في 2016\02\27]
يمثل الشاعر والمترجم توبياس بورغارد وجها جديدا للمشهد الشعري والثقافي الألماني، وصوتا مختلفا. صوت جيل ولد بعد انطفاء الدكتاتورية النازية.
يبدو توبياس منشغلا باستمرار بالبحث عن فضاءات شعرية تتجاوز جغرافيا المركز الشعري الأوروبي، ليطل عبر منابر ومؤسسات النشر، ومهرجانات الشعر بكولومبيا، والأرجنتين، واليابان، وبغيرها من المناطق الشعرية الجديدة، حيث صدرت له مجموعة من الأعمال الشعرية، أغلبها خارج ألمانيا، ومن بينها “مصرف النهر” بالألمانية، و“الكتاب الورقي” بالأسبانية، و“شواطئ” و“جزيرة”.
شاءت الظروف أن يسافر توبياس بورغارد لأول مرة إلى أميركا اللاتينية. وبالضبط إلى لاباز، عاصمة بوليفيا، ولم يكن عمره يتجاوز آنذاك الرابعة عشرة. ثم انتقل بعد ذلك إلى بوينس آيرس بالأرجنتين، حيث اشتغل بتدريس الأسبانية. وهناك تعرف إلى جونا، المرأة الأرجنتينية التي ستصير في ما بعد رفيقة حياته والتي ستشتغل معه على ترجمة شعر أميركا اللاتينية الحديث إلى الألمانية.
بموازاة ذلك، يحتفظ توبياس بورغارد بعلاقة خاصة مع الثقافة العربية، حيث تعرف على جانب من الشعر العربي عبر اللقاء المباشر بإيقاعه المتفرد والرائع، كما يقرّ بذلك، خلال المهرجان العالمي للشعر بكولومبيا، ثم من خلال قراءته لترجمات مجموعة من نصوصه إلى الأسبانية، معتبرا هذا الاهتمام امتدادا للعشق الذي كان يكنه غوته للشعر العربي، وهو ما يشهد به ديوانه المشهور. ويجد توبياس بورغارد متعة في إعادة اكتشاف الأشكال الشعرية العربية، وفي البحث عن امتداداتها في الشعر المكتوب باللغة الأسبانية، خصوصا بأميركا اللاتينية. وقد سبق له أن كتب نصا جميلا مطولا يحمل عنوان “قصيدة”.
ويقر توبياس بورغارد بأن العديد من القيم البلاغية للشعر الأسباني ولشعر أميركا اللاتينية تمتد جذورها إلى التواجد العربي بأسبانيا خلال خمسة قرون، والذي شكل لحظة حوار ثقافي عميق بين العرب والأسبان واليهود. وهو حوار من علاماته ترجمة العديد من النصوص الشعرية، والصوفية، والفلسفية، والرياضية، والعلمية العربية، وذلك ضمن سياق يقوم على التسامح والتكامل بين مختلف المكونات الثقافية والإثنية.
وبذلك، اختار توبياس بورغارد أن يوطّن انشغاله الشعري عند نقطة التقاء الثقافات واللغات الأوروبية والأميركو-لاتينية وأصوات الثقافة العربية البعيدة. تقوده في ذلك رغبة عميقة في نسج الأخوة والصداقة والمحبة الشعرية أساسا.
توبياس بورغارد في بداية الخمسينات من عمره، وقد كتب لي عشية عيد ميلاده الأخير “عزيزي حسن، أشعر الساعة أنني أودّع شبابا ما، أشعر أنني أمضي إلى شيخوخة لن أحتملها، انتبه أنت للحياة. دعها أمامك..”.
المصدر: موقع العرب من هنا