لا أعرف ما إذا كان بعض الوزراء يعون ما يصرحون به أم إنهم يعملون بقاعدة «غير جيب يا فم ولوح».
قبل أسبوع قال وزير الصحة الحسين الوردي إنه تدخل لدى قاض في أحد الملفات، لكن القاضي رفض الانصياع لتدخله وحكم ضد رغبته.
لا أعرف ما إذا كان سعادة الوزير يعي أن ما قام به يعتبر تدخلا في القضاء، فضلا عن كونه إخلالا بمبدأ فصل السلط. وما قام به يشبه إلى حد كبير ما سبقه إليه زميله في الاتصال مصطفى الخلفي عندما تدخل لتوظيف ابن الحمداوي لدى أحد البنوك، أو عندما تدخل لدى بلدية مراكش لأحد الباعة المتجولين للحصول على رخصة «كروصة» في جامع الفنا.
في كلتا الحالتين يسمى مثل هذا النوع من التدخل «استغلال النفوذ». والقانون يعاقب عليه.
لكن وزير الصحة الذي خفض من سعر حبة الفياغرا إلى النصف، استطاع أن يضع أصبعه في عش الدبابير عندما أصدر بلاغا ضد إشهار السيجارة الإلكترونية في بعض المجلات واللوحات الإشهارية في شوارع المدن، والتي يوزعها وزير سابق كان يشرف، يا حسرة، على قطاع الشباب والرياضة.
والواقع أننا كنا سنحسب هذا البلاغ ناتجا عن حرص الوزارة على صحة المواطنين لو أنها وضعت برنامجا واضحا وصارما للحد من التدخين بجميع أشكاله، سواء الإلكتروني أو العادي بنوعية التبغي و»الشيشي». لكن بلاغ الوزير اقتصر على السيجارة الإلكترونية التي أضحت تنافس السيجارة العادية وتتسبب لها في خسائر حادة في المبيعات، وبالتالي تراجع رقم معاملاتها السنوي.
وفي لجنة البنيات الأساسية بمجلس النواب قال عزيز الرباح وزير التجهيز والنقل إن بعض شركات المناولة تمتص دم المغاربة ولا أحد يراقب هل هؤلاء العمال يستفيدون من حقوقهم أم لا. «إوا أسيدي إلى ما عرفتوش نتوما شكون اللي بغيتوه يعرف، حنا»؟
والسؤال هو ماذا فعلت الحكومة من أجل أن توقف هذه الشركات عند حدها وتحول بين أربابها ومص دماء المغاربة؟ الرباح كان عليه أن يعطينا جوابا على هذا السؤال لا أن يكتفي بأن يشرح لنا ما نعرفه جميها، وربما أحسن منه.
السؤال نفسه مطروح على وزير الحكامة الذي قال إن أرباب المخابر يغشون في الوزن وفي المواد المستعملة في صناعة الخبز. «شنو درتو ليهم، تشد فيهم شي واحد، سديتو لشي مخبزة»؟
أما كبيرهم رئيس الحكومة فقد قال قبل يومين في الجديدة إن الدولة مطالبة بتوفير أمنهم، «علاه شكون نتا وشكون الدولة بالسلامة»؟
ثم كيف يريد رئيس الحكومة أن يقنع الرأي العام المحلي والدولي أنه يمارس صلاحياته الدستورية كاملة إذا كان في كل مرة يواجه حزبه أو أحد القطاعات الموازية له هزة يشهر ورقة «الدولة» التي يجب أن توفر له الحماية والسلامة الجسدية؟
وكأن الحكومة بكل الأجهزة الأمنية التي تحت إمرتها لا تتحكم في الدولة، علما أن بنكيران قال بعد تنصيب حصاد وزيرا للداخلية إن هذا الأخير هو الذي اقترحه. ولذلك فعوض أن يطلب رئيس الحكومة الحماية من الدولة كان عليه أن يقول إنه بوصفه رئيس الحكومة يشرف شخصيا على عمل الأجهزة الأمنية المخول لها حماية أمن المواطنين.
وعوض أن يقول رئيس الحكومة ذلك فضل أن يذهب إلى الجديدة ويعلن من هناك استعداده للجهاد في سبيل الله في حالة ما إذا تعرضت حدود الوطن لاعتداء. ومثل هذا التصريح إن كان مقبولا من خطيب مسجد أو إمام زاوية فإنه ليس مقبولا من رئيس حكومة مؤتمن على احترام مؤسسات الدولة. فنحن كمواطنين ندفع للجيش من ضرائبنا لكي يتسلح ويعد العدة لهذا الغرض بالضبط، وبنكيران كمدني ليس له أن ينشغل بالاستعداد للجهاد في سبيل الله دفاعا عن الحدود، لأن هناك جيشا نظاميا مغربيا لديه قائدا أعلى يستطيع أن يدافع عن حوزة الوطن متى استدعى الأمر ذلك. «أسيدي نتا جاهد لينا غير فالبطالة والمرض وهاد التشرميل اللي قاتل عباد الله بالخلعة وهلك السياحة والاستثمار».
وإذا كنت شخصيا أختلف مع رئيس الحكومة في كثير مما يقوله إلا أنني متفق معه على الأقل في واحدة، وهي عندما قال إن حزبه سينجح في الانتخابات المقبلة. وإذا كان بنكيران يعزو هذا الانتصار المفترض إلى قوة خطابه ومصداقيته، فإنني أعزوه إلى العكس تماما. فقوة بنكيران سببها ضعف معارضيه بالدرجة الأولى. وإذا كان خطابه لازال مقنعا بالنسبة إلى بعض الشرائح الاجتماعية فلأن هذه الشرائح تفتقد خطابا سياسيا مقنعا لدى أحزاب المعارضة المشتغلة ب»شرملة» بعضها البعض سعيا إلى كراسي الزعامة.
والمغاربة يعملون بحكمة قديمة تقول «عدي بالنعالة حتى يجيب الله الصباط»، والذين لدغوا من الجحر ذاته أكثر من مرة تعلموا حكمة أخرى تقول «ما تبدل خوك غير بما كرف منو».
ولذلك ففي غياب عرض مغر من الناحية السياسية والفكرية يمكن أن نقول إن بنكيران وحزبه لديهما حظوظ تفوق حظوظ معارضيهما في الظفر بالانتخابات. ثم ماذا بعد؟
هل النجاح في الحصول على الرتبة الأولى في الانتخابات هدف في حد ذاته أم وسيلة للوصول إلى السلطة وتحقيق الوعود التي تم تقديمها للشعب خلال الحملة الانتخابية؟
إذا كان الهدف من الانتخابات هو الوصول إلى السلطة من أجل تحقيق الرفاه الموعود للمواطنين، فإن حزب العدالة والتنمية قضى سنتين ونصف في السلطة وتنتظره سنتين ونصف أخرى، ولا يبدو أنه نجح في تحقيق الإصلاحات الكبرى التي وعد بها.
ولكي نحاكم تجربة هذه الحكومة وهي في نصف ولايتها هناك رقمان أساسيان لا ثالث لهما، أولا معدل العجز وثانيا معدل النمو. وبنظرة سريعة للأرقام نستنتج أن العجز ارتفع ومعدل النمو انخفض، وبلغة الاقتصاديين يمكن أن نستخلص أن الحالة الصحية للاقتصاد المغربي خلال الفترة التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية قيادة الحكومة عليلة لكونها تعتمد على الاقتراض الخارجي لتمويل الإنفاق العمومي.
وطبعا بنكيران ليس هو من تسبب في هذه الوضعية الكارثية للاقتصاد الوطني، فهو عندما جاء وجد أن الحكومة تقترض من الخارج لكي تدفع الأجور، لكن هذا لا يعفيه من المسؤولية لكونه «تطوع»، كما يحلو له أن يقول، لإنقاذ البلاد، و«الضامن» كما يقول المغاربة «بشكارتو». لكن يبدو أن «شكارة» بنكيران فارغة سوى من القفشات والنكت والأخطاء البروتوكولية الفادحة في حضرة مسؤولي الدول الكبرى.
وآخرها تلك «السلتة» التي «ضربها» بنكيران من تحت شريط التدشين في مراكش خلال معرض الطيران أمام السفير الأمريكي، قبل أن يعود إلى المرور من تحت الشريط مجددا وينتظر قطعه كما يقتضي البروتوكول.
ولم تكن تلك «السلتة» الخطأ البروتوكولي الوحيد في حضرة السفير الأمريكي، وإنما جاءت بعد خطأ بروتوكولي أفدح عندما «صحح» بنكيران للسفير ما اعتقد أنه خطأ ارتكبه هذا الأخير، قبل أن يطلق قهقهته الشهيرة.
فالأعراف تقتضي أن يصحح رئيس الحكومة للسفير الأمريكي ما يعتقد أنه خطأ عندما ينفرد به وليس أمام عدسات الكاميرات. لكن ماذا بوسعنا أن نفعل، فقد أعطانا الله رئيس حكومة يعاني من «خفة اللسان»، وها هو بمروره من تحت الشريط يكشف لنا أنه يعاني أيضا من «خفة الرجل».