استضاف رواق محمد الدريسي/مندوبية وزارة الثقافة بطنجة، مساء يوم السبت 23 يناير 2016، فعاليات حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية “انكسار السراب” للقاصة زكية الحداد، الذي نظمه “الراصد الوطني للنشر والقراءة”، مواصلا رحلته في بحور الإبداع المتشعبة، بمشاريع ثقافية وإبداعية تهم الكتاب والمبدع المغربي.
وانطلقت فعاليات الحفل بمعزوفات موسيقية من أداء المايسترو محمد البشير بنيحيى ووصلات غنائية من أداء المنشد يوسف المقراعي والفنانة إيمان بنيحيى، ثم تناول الكلمة الأستاذ رشيد شباري (الكاتب الوطني لرونق) مرحبا بالحضور المتميز الذي استجاب لدعوة “رونق”، مؤكدا أن الحضور المكثف والنوعي هو ما يشكل دعامة أساسية لاستمراريته، كما هنأ القاصة زكية الحداد التي استطاعت أن تركب مغامرة الكتابة في هذا الجنس الأدبي الذي لا ينبغي استسهاله، مؤكدا على دورها في تفعيل أنشطة “الراصد الوطني للنشر والقراءة” باعتبارها واحدة من أعضائه النشيطين، وفي كلمة باسم “مندوبية وزارة الثقافة” نوه الأستاذ العربي المصباحي (المندوب الإقليمي) بجدية وفعالية أنشطة “رونق” الذي استطاع في فترة وجيزة أن يثبت حضوره في المشهد الثقافي محليا ووطنيا، مهنئا الكاتبة بمنجزها الإبداعي الأول متمنيا لها التميز والاستمرارية، كما نوه بأخلاقها وقدراتها التفاعلية بإيجابية مع الوسط الثقافي بمختلف أطيافه.
وقد شارك في الجلسة التقديمية الأستاذ الميلودي الوريدي (قاص من القصر الكبير) بورقة استهلها بقراءة في العنوان ودلالاته، قبل أن ينتقل إلى تجنيس المجموعة ضمن القصة القصيرة جدا، مؤكدا أن خطابها الفني تجاوز حدود السرد المباشر الأحادي الدلالة إلى آفاق التصوير البلاغي والمجازي والرمزي المتميز بانزياحه، وقد نهلت نصوص المجموعة وعتباتها من هذا المعين الذي لا ينضب وسخرته بكل حمولاته الممكنة، وهنا تجسدت قيمة النصوص الحوارية بإطلاق شرارة التأويل والمساءلة بين نصوصها، احتفاء بفعل التلقي الإيجابي، وهذه المقومات منحت نصوص المجموعة عمقها وسحرها وجماليتها، وفتحت آفاقها على إمكانيات قرائية خصبة همت المستويين: الشكلي الجمالي القصير، والمستوى الدلالي العميق والمتجدد.
كما أشار الأستاذ الوريدي إلى التقاطع الدلالي بين العتبة والتصدير، ثم تحدث عن العتبات النصية التي نسجت غالبيتها على الإفراد وقسمها إلى: 1- عتبات أيقونية، لدأبها الصمت القائل والإيجاز البليغ، والرمزية مثل: (وراقة، مهرج، الناقد، علبة…) 2- عتبات إسمية، مفردة لا تكتمل دلالاتها وإيحاءاتها إلا بتقدير مضمراتها وإسناداتها العقلية على التغلب والانتقاء والاستدعاء والإقصاء، مثل: ( أصالة، نزوة، احتراق، أطياف..) 3- عتبات إشهارية، قد تخفت جماليتها لكنها وظيفيا حققت تأثيراتها الاستدعائية حتى وإن مارست بعضها للتمويه والمراودة الانتفاعية (لاجئ، براءة، قداسة…)، 4- عتبات جملية، وهي على قلتها خبرية لمبتدآت مقدرة وغالبها من مضاف ومضاف إليه لكنها ليست إضافات عادية بل إضافات بلاغية مجازية (رقصة الجمر، نساء الملح، أرض الملح…)، واختتم ورقته بالحديث عن المتون التي اشتغلت عليها القاصة في مجموعتها.
وتحدث الأستاذ محمد شداد الحراق (باحث من طنجة) في ورقته عن القصة القصيرة جدا، وما يدور حولها من جدال في الساحة النقدية المعاصرة من تعدد المواقف النقدية حولها بين الاعتراف والرفض، وتمكنه من فرض وجوده بالقوة والفعل وبات رقما صعبا يستحيل تجاوزه. مشيرا إلى خصائص هذا الجنس الأدبي ومكوناته ومدى استفادته من التحولات الطارئة على البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتطور وسائل الاتصال التكنولوجية لتصبح الشكل التعبيري الأنسب في زمن السرعة. وأن المجموعة القصصية “انكسار السراب” تنتمي الى هذا الجنس الأدبي بكل استحقاق لكونها تجاوزت نمطية الكتابة القصصية التقليدية، وانفتحت على هذا الجنس الجديد بكل ما يقتضيه الانفتاح من وعي ومهارة وجرأة وآليات فنية وكفايات تقنية، فهي تعتبر عملا فنيا مستفزا للقارئ يصيبه بالتوتر ويثير لديه التساؤل والصدمة والدهشة، لكونه عملا قادرا على نقل المتلقي من مستوى التلقي الاستهلاكي الآلي السطحي إلى مستوى التذوق والإنتاج والمواجهة الخلاقة، في سبيل تحقيق ذلك الوقع الجمالي المنتظر، خاصة وأنها تشجع على إحداث الحركة التفاعلية بين وعي القارئ ووعي النص المقروء.
وفي الورقة نفسها، تطرق الأستاذ الحراق إلى دلالة العنوان واللغة القصصية الموظفة وحسن توظيف الايحاءات والانزياحات والغموض والحذف والاختزال والإضمار والترميز والخرق اللغوي واللغة الشعرية، مشيرا إلى أن التقاطع الشعري- القصصي سمة أغلب الأعمال القصصية القصيرة جدا، ومن هذا التقاطع تنبع شعرية اللغة وجماليتها، إذ استطاعت القاصة بلغتها خلق الدهشة الفنية وتكسير أفق انتظار القارئ واختراق النسقية المملة مما يتيح للقارئ مساحة كافية للتخييل والتأويل. مختتما ورقته بالحديث عن التيمات الموجودة في المجموعة (التحدي، الاحباط، الاستسلام، الابتزاز، الجسد، البوس، النقد السياسي النقد الاجتماعي..) وهي موضوعات ذات هوية مأساوية خالصة تعج بصور المعاناة واشكال الاحباطات وأنواع الاستغلال والابتزاز الممارس في حق الأنثى وهي كلها موجهة بخطاب ثائر، وبصيحات الرفض للقهر الاجتماعي وتفوح منها رائحة الموت والألم والمعاناة وتنبعث منها صيحات الرفض والنقد والاحتجاج.