……… كانت تفرح (بتسكين الفاء) تقوم بكل ما من شأنه أن يثير غضب الزوج…
فتنام من أول الليل، ولا تستيقظ حتى الزوال.
ولا تبرح غرفتها إلا لتناول الطعام مع الأسرة، دونما مراعاة لقرابة أو دم أو احترام، ولا تجالس أحدا، ولا تنبس ببنت شفة، و هجرت صداقة ابنة خالتها دماحة.
بدأ الزوج يفقد صبره، فمرة يؤنبها على مرأى و مسمع من أهله، وأخرى يدخن في غرفة النوم ضجرا من تصرفاتها، وذات ليلة سهر خارج البيت حتى تنفس الصبح.
محاولات متعددة كان يقوم بها من أجل إرغام الزوجة على الانصياع.
بالمقابل كان على المرخي أن يفتح حضانة أو روضا للأطفال بدل بيت للزوجية. فحنان لم تزل بعد صغيرة ويفوقها المرخي بالضعف سنا.
ولا تجربة لها في معرفة شؤون البيت فكيف بتسييره. فرغم أنها كبرى أخواتها إلا أن الأم الأرملة، كانت تقوم بكل شيء، حتى تتفرغ بناتها للدراسة، فكانت النتيجة مخيبة للآمال.
ظل العرسان الجدد وعرائسهم على هذه الحال حينا من الزمن، فانتهى بهم الحال في شد وجذب.
فمن جهة، جرب لمندخ مع ابنة خالته كل سبل الترغيب والترهيب دون فائدة تذكر.
وتنافس المتنافسون من “خبراء” و “أطباء” ما ولجوا يوما جامعة ولا معهدا، ولكنهم يدعون الخبرة في كل مجال، فتنافسوا في تشخيص حالة تفرح.
فقالت طائفة إن بها مسا، وقالت أخرى إنها تعيش أزمة نفسية.
وقال نسوة في الحي إن هو إلا “بهر لعلايات”.
أما “المنجمون” فقد “أوحت” لهم شياطينهم أنها ضحية لما يسمى “التوكال”، نتيجة الأحوال التي بدت عليها مباشرة بعد الزواج، صمت تام و عزلة دائمة وووو…..
شارفت عطلة لمندخ على الانتهاء، فبدا في حيرة من أمره.
فمن جهة يستعجله رئيسه للالتحاق، ولكنه غير مطمئن على عروسه التي لم يهنأ بها.
بعد مناقشات مستفيضة مع العائلة، استقر الرأي على أن يتركها في فترة نقاهة عند أهلها، و أن يتولو علاجها.
فكان الأمر كذلك.
ولما وصلت بيت أهلها انتابتها حالة من الصياح والعويل، بقيت حبيستها، حتى استقدموا فقيه الحي فتلا عليها بعض آي القرآن الكريم فهمدت.
بعد وصوله لديار المهجر، بادر لمندخ بالاتصال بزوجه المريضة للاطمئنان عليها، فظل هاتفها يرن دون جواب.
وصل خبر مرض تفرح عائلة المرخي، ففزعوا من الأمر وقالت والدته إنه مرضي الوالدين.
فقد نجاه الله من بأسها، وتلت تمتمات غير معروفة بكتب الصحاح، وما أثرت عن السلف الصالح، ولكنها تحظى بقدسية لدى المسنين من الأهالي.
“نوح نوح سيدنا نوح يفكنا من الماشي والمطروح”
“احنا بالله بالشرع مع حنوشة الزرب وحنوشة لحوالا”
وأخيرا سلكت مسلك اليقين فدعت بدعاء رؤية المبتلى بصيغة “أهل الصحراء” مرددة:
“شفاها الله ولا بلانا. ولا ولى باس على اللي هو مسلم يشهد “.
فكما وصلت أخبار تفرح لبيت المرخي، كانت أخبار زوجه حنان تلوكها الألسن ببيت تفرح.
قضى المرخي شهرين صابرا على البلاء، فما استطاع. فطلب من والدته أن ترجع زوجته إلى أمها حتى تعلمها، أو يخرجان من هذا الارتباط بالتي هي احسن كما دخلاه أول الأمر بالمعروف.
ترددت الأم أولا، ثم وافقت بطريقة ما. فأرسلت في طلب والدتها حتى تكون شاهدة على ما يجري.
فقدمت الأم سريعا، و هالها ما رأت من ابنتها.
بدأت تفرح تتعافى شيئا فشيئا، فأرسلت إلى المرخي مع من تثق به، تطلب وصله ولقياه.
استغرب من طلبها بداية، غير أنه ما لبث أن وافق.
تواعدا على اللقاء في مكان لا يخطر لأحد على بال فكان اللقاء بالمقبرة.
نعم بالمقبرة!!!
غادرت بيتها بحجة “الزيارة” و اقتنت شموعا وحلوى توزعها على الأطفال.
وأخيرا التقيا، لم تكد تره حتى انفجرت باكية على صدره، وتضمه إليها ضما شديدا من فرط الشوق.
حاول إبعادها متحججا بأنهما متزوجين، وحرمة المكان وأشياء أخرى لم تلق لها بالا.
بقيت في حضنه شاكية باكية ولما سألها عن صحتها أقسمت له بأغلظ اﻷيمان، أن ما بها “علة ولا زلة” ولكنها حيل احتالتها لتنجو بجلدها من لمندخ الذي زوجت له وهي راغمة.
وأنبأته أنها ستبقى على هذه الحال حتى يطلقها لتتزوجه.
ولما سألته عن زوجه حنان، امتعض من الجواب أول الأمر، ثم أقر بخطإه. فهي صغيرة وغير ناضجة.
وأضاف أنه تزوجها تطييبا لخاطر أمه بعد خيانة أهلها له، حينما فسخوا الخطوبة من جانب واحد.
بقي لمندخ يتصل بزوجه وهي لا تجيب.
حاولت أمه التدخل لفك المشكل، فلم تعرها تفرح اهتماما، بل ظلت تردد على مسامعها “لكلام ما هو معاك. لكلام اللا مع ولدك” مرات ومرات.
لم تفلح جهود الأم في احتواء “جهل” ابنتها، فقرر المرخي تطليق حنان.
وفي انتظار عودة لمندخ ليجد حلا لمشكله، عادت علاقة المرخي و تفرح لتنمو من جديد، فعادا لحبهما فأصبح يرافقها بين الفينة والأخرى، لخارج المدينة في خلوة غير شرعية، بمحضر الشيطان الرجيم.
بقيا على هذه الحال نصف حول تقريبا، ولما عاد بعلها خفت وطأة اللقاءات التي لم تكن لتخفى بمدينة لا تعرف الأسرار.
فكل شيء هاهنا مباح في أحاديث الناس، وكلما استتر شخص بشيء كلما كان فضحه يسيرا.
لم يكن لمندخ يملك دليلا، فهو يعلم بالعلاقة، ولا يستطيع الكلام طالما تعوزه الحجة الدامغة.
غير أن ذهنه تفتق أخيرا، فتعرف على فتاة عشرينية وبدأ يصطحبها في سيارته إلى دور مشبوهة، فيخلوان ساعات، فهما الإثنان والشيطان ثالثهما.
طلبت تفرح الطلاق، فرفض لمندخ تطليقها، فهو يعلم بنيتها. فبمجرد طلاقها وانقضاء عدتها، ستتزوج المرخي، غير أن والدها خان عهد المرخي ذات زمن مضى…….