مجرمون في ثوب طلاب، دخلوا الجامعة من أجل الانتقام، لا يهمّهم العلم بقدر ما يهمّهم ارتكاب الجريمة، يقتلون، يعتدون، يُحاكِمون، كل ذلك بعيدا عن القوانين وبعيدا عن أعين السلطات الأمنية.
لا يمر يوم علينا إلا ونسمع عن مهزلات يسمّونها محاكمات، يحاكمون من خلالها أفكار الطلبة ونواياهم ويصدرون في حقهم أحكاما إما بالقتل أو التعذيب أو الاعتداء الوحشي الذي طال الآلاف من الطلبة الذين يرفضون الانسياق وراء أفكار هذه العصابات الإجرامية.
العصابات الإجرامية لم تقف عند حد إزهاق الأرواح ولم تقف عند حد الاعتداءات بالأسلحة البيضاء، بل ذهبت هذه المرة لتحاكم نوايا الناس وإصدار أحكام في حقهم ، بحجة أنّ هؤلاء يعملون لجهة أخرى أو لفصيل آخر، وهذا ما وقع بالضبط مع الفتاة شيماء التي تعمل بمقصف الكلية بمدينة مكناس، حيث تعرّضت لأكبر إهانة من طرف عصابة التنظيم المرحلي، تمثل ذلك في حلق شعرها وحاجبيها وسط الحرم الجامعي وأمام أعين الطلبة كل ذلك بتهمة “الخيانة” .
ما وقع من إجرام في حق فتاة مكناس يوحي بما لا يدع مجالا للشك أنّ الجامعات المغربية في خطر ،وأنّ الوضع يزداد تدهوراً ، بعد أن ازدادت مظاهر الإجرام في صفوف الطلبة وازدادت حدة المواجهات التي خرجت عن السلمية، وأصبح كل فصيل يفكّر في تصفية فصيل آخر بكل الطرق المتاحة، وذلك طبعا أمام صمت مخجل من طرف السلطات التي اعتادت ألا تحرك ساكنا .
ما لم نفهمه في قضية شيماء التي تعرّضت للإهانة من طرف العصابة المجرمة هو أنّها تعرضت لذلك الفعل الإجرامي وسط صمت من طرف الإدارة، التي لم تكلف نفسها عناء الاتصال بالأمن خصوصا وأنّ الحادث كان من الممكن أن يودي بحياة الفتاة .
الفتاة حوكمت محاكمة شعبية كما تقول أبجديات العصابات الطلابية، وتم حلق شعرها وحاجبيها، كما تعرضت للضرب دون أن يتدخل أحد لا من الطلبة ولا من طرف الإدارة التي لها المسؤولية الكاملة في كل ما حدث.
نحن صراحة لا نعلم ما هو دور الجامعة المغربية الآن إذا كانت مكانا للقتل وتصفية الحسابات والمحاكمة على النوايا ،وما هو الغرض منها إذا كنا دائما نسمع عن مهزلات تسيء للجامعة وتسيء للمغرب وللوطن بأكمله؟
الجامعات المغربية أصبحت تصدر الموت بكل أشكاله وتحولت من جامعات تلقن العلم والمعرفة لأبناء الوطن إلى جامعات يمارس فيها العنف بحرية، فالإجرام الجامعي ليس كالإجرام خارج أسوار الجامعة فالأول تتعامل معه السلطات الأمنية بنوع من السهولة والثاني يكون فيه نوع من التشديد في العقوبات ، وهذا هو الخطير في الأمر. فالعنف كيفما كان يجب أن يواجه بحزم وبأشدّ العقوبات، والمجرم يجب أن ينال الجزاء الذي يستحقه جزاء ما اقترفت يداه من إجرام في حق الآخر سواء أكان طالبا أو أستاذا أو عاملا داخل الجامعة .
يعلم الكل أنّ الصراع الذي يوجد الآن في الجامعات المغربية صنعه الساسة الذين هم الآن في السلطة، وصنعه المخزن للدفاع عن أطروحاته. فعندما يرى المغاربة أو الطلبة أنّ كل من كان ينتمي للفصائل داخل الجامعة ،وكل من كان يتقاتل داخل الجامعات هو الآن من ينعم بالكرسي فإن ذلك يشجع على الانخراط في العنف ويرسّخ لديهم فكرة أنه لا يمكن الوصول إلى مراكز القرار، إلا بالمشاركة في الإجرام الذي يسمونه نضالا زورا وبهتانا.
الطلبة ضحية تلك العصابات الإجرامية التي تتحكم في الجامعات، وهم ضحية تلك المواجهات التي لا يستفيد منها سوى عشاق التعويضات الخيالية، من الذين يسرقون ثروات الشعب ومن الذين يهربونها إلى الخارج.
الطلبة يتقاتلون، يتناحرون، وهم لا يعرفون أنّهم بذلك يخدمون أجندات من لا يريد للمغاربة أن يكونوا صفا واحدا في مواجهة الفساد ،فيشغلون هؤلاء الطلبة بتلك الصراعات التي لا تخدم مصالحهم بقدر ما تخدم مصالح من يتربعون على الكراسي.
كم يلزمنا من السنوات لكي نصل إلى ما وصلت إليه الدول الغربية ؟ وكم يلزمنا من الوقت لكي نثبت أننا لسنا قطعانا نتحرك بأمر من العصابات الإجرامية التي ترتدي عباءةالنضال والدفاع عن الأفكار زورا وبهتاناً ؟ للأسف الشديد يلزمنا الكثير من الوقت ،والكثير من التفكير، من أجل تحرير الجامعات المغربية من العنف الذي قضى على الجامعة وعلى التعليم حتى أصبحت كلمة جامعة مرادفا للقتل والذبح والاعتداءات.