تتبوأ فاس مكانة متميزة في الوجدان الجمعي للمغاربة ، بل امتدت هذه المكانة و الحظوة وامتد الشغف بهذه المدينة إلى عدد غير قليل من الأدباء والشعراء والفنانين وغيرهم ،فحفل الإبداع والفن بكثير من صور صدى هذا الحب ، وتمثل في أعمال شتى :لوحات وروايات وأغنيات وأزجال وقصائد معربة …وقطع ملحونية راقية ..
ونبتغي في هذه الإطلالة على موضوعنا هذا ،التعريف بكتابين اهتما بفاس وقدما عنها وفيها نصوصا يجدر الالتفات لها ،لما فيها من مستويات رفيعة من الإبداع والجمال.
فاس في القصيدة العربية المعاصرة: (1)
هذا الكتاب تناول مدينة فاس في الشعر العربي المعاصر ،لكن قبل الوصول إلى تجليات فاس في القصيدة العربية المعاصرة ، كان لابد من استعراض أهم ماقيل في فاس من شعر قديم اغتنى به تراثنا الشعري المغربي ،فذكرت أبيات شعرية للشاعر عبد الله المغيلي،وللشاعر محمد المهدي الحجوي وللشاعر محمد الوجدي الغماد،وللشاعر محمد التهامي بن حماد الحمادي المكناسي وللشاعر علال الفاسي وللشاعر عبد الكريم بن تابث وغيرهم.
وبعد هذه الوقفات التي تلذذنا فيها بما قاله الشعراء في فاس ،وهم مسحورون بجمالها وطبيعتها وجبلها ودروبها ومظاهرها الثقافية والحضارية ومعمارها وقيمها الأصيلة.تم التعرف على المدونة الشعرية التي اتسعت وفاضت دواوين وقصائد تصف الحب والتعلق بالمدينة فاس،وتجب الإشارة أن عددا هاما من أبرز شعراء العربية شاركوا بقصائد كلها شغف وافتتان بفاس وفضاءاتها وما ترمز إليه،ونذكر هذه الكوكبة من رواد الشعر العربي – على سبيل التمثيل لا غير – ممن حفل بهم كتاب فاس في القصيدة العربية المعاصرة: الشاعر أدونيس،|الشاعر محمد القيسي من فلسطين والشاعر محمد السرغيني والشاعر أحمد المجاطي والشاعر محمد الخمار الكنوني والشاعر محمد الصباغ والشاعر عبد الرفيع جواهري والشاعر محمد بنيس من المغرب ،وغيرهم.
وقدم الكتاب أكثر من سبعين مقطعا شعريا من قصائد قيلت في فاس ،من طرف شعراء اختلفت طرائقهم الفنية وأساليبهم وأنساق كتاباتهم،وتفاوتت أجيالهم وأعمارهم وانتموا إلى حساسيات شعرية متنوعة،لذا نجد الشاعر العابر للأجيال محمد السرغيني إلى جانب شاعر ثمانيني كمحمد الأشعري إلى جانب شاعر تسعيني كأمجد مجدوب رشيد.
والكتاب يعطي صورة لجوانب عن اللغة الشعرية لما تتناول موضوعا واحدا من طرف مجموعة من الشعراء،فنحن نشتم نكهات ونتذوق طعوما شتى ونحن نقرأ للشاعرة أمينة المريني ومحمد الحلوي والشعر السوري مصطفى عكرمة والشاعر محمد علي الرباوي ،والشاعر أحمد المجاطي والشاعر أحمد بلبداوي واالشاعر الليبي أحمد حسن السوس،والشاعر العراقي أمجد ناصر حسون،والشاعر التونسي أحمد اللغماني،والشاعر أحمد مفدي والشاعر مصطفى الشليح،والشاعر رشيد المومني والشاعر نور الدين الزويتني وغيرهم.
وخصص الكتاب مباحث لدراسة دواوين شعرية كتبها أصحابها كلها عن فاس ( كديوان الشاعر محمد السرغيني “من أعلى قمم الاحتيال فاس” وديوان الشاعر عبد الرفيع جواهري :كأني افيق ، ورشيد المومني من خلال ديوانه ” مهود السلالة “وديوان الشاعرة أمينة المريني :خرجت من هذه الأرخبيلات)
أو دواوين جل قصائدها عن فاس أو تحتوي على أكثر من قصيدتين ،ويتعلق الأمر بالشعراء :محمد عبد الوكيل جازم من اليمن وعنوان ديوانه “في انتظار فاس” وأحمد مفدي وديوانه :”صهيل العشق”.وديوانه الآخر “سيدة الإشراق”.وأمجد مجدوب رشيد من خلال ديوانه:”وأظهرك على العشق كله” وديوانه الرابع “نايات العشق”.
نماذج ومقتطفات:
يقول الشاعر رشيد المومني في “مهود السلالة”:
الان
وقد غاب الحراس
غاب العابر والمقيم
من سأحاور
اسرارك أم أسوارك
أم اكتفي
بسماع رمادك القدسي
وهو يقص ما تيسر
من حكايات
النار والماء
ويقول الشاعر مصطفى الشليح:
ما الشعر الا صدى فاس ترجعه * الأنحاء أغنية موالها فاس
وما الربيع سوى أخلاقها دعة * هل بعد فاس لزهر الخلق أنفاس
سر من الله لا يرفض جوهره * الا عن السحر منه تنجلي فاس. ويقول الشاعر أمجد مجدوب رشيد في قصيدة بعنوان “اعتراف للسيدة”: من ديوانه:”وأظهرك على العشق كله”
كيف لي أن أصدق أني يوما سأهجر سريرها العنبي
ووجهها الياقوتي وكفها الماء؟
كيف لأقواسها التي أظلتني في طفلتي من خوفي
وهواجسي
ولحاراتها التي علمتني النظر البهي ..
ولضواحيها التي تشبه الوشاح والموج المضيء كيف
يا سادتي يخرجني منها سفر وهي الكوكب ،المدار.
ويقول الشاعر الليبي أحمد حسن السوس:
قبلت جبهتك الشماء معتذرا * وبست في مقلتيك الطهر والخفرا
-ماذا تقولين فيمن جاء مبتدرا * بالعشق ملتحفا بالشوق مؤتزرا
– حبيبتي ان نأت عني وان بعدت * فما نآى طيفها عني ولا هجرا
– أنت الحبيب الذي تزداد روعته * في مقتلي – اذا مازدته نظرا
المدينة المغريبة في الزجل والملحون:(2)
كتاب للأستاذ الدكتور والباحث المتميز السعيد بنفرحي ،خط تصديره العلامة عباس الجيراري،يعرف السعيد بنفرحي بكتبه التجميعية ،والوصف الدقيق أنها كتب انتقاء واختيار وتوثيق، بعين فاحصة ودربة متذوق وحنكة باحث خبير،خدمة للبحث العلمي وتقديم صورة أمينة لحركة الأدب المغربي وعطاءاته.
قسم كتابه هذا إلى قسمين :قسم أشعار المدن الساحلية، ( وحيزها من ص29 إلى ص110) والقسم الثاني :أشعار المدن الداخلية.( وحيزها من ص111 إلى ص216.) حظيت فاس ب8 نصوص شعرية زجلية وهي:
لمدينة لقديمه: لنعمان لحلو.
ذاكرة فاس لعبد العزيز العديلي.
فاس الجميلة للطاهر سباطة.
فاس لجمال بنحدو.
فاس لحميد تهنية.
فاس لمولاي عبد العزيز الطاهري.
بليكات فاس لحفيظ المتوني.
فاس لحميد عسيلة.
واختار الباحث السعيد بنفرحي أن تزدهي النصوص وهي على البياض بجسد من الخط المغربي فأكسب التلقي نكهة وطعما جميلا.
نماذج ومقتطفات:
يقول الزجال حفيظ المتوني في حي الطالعة:
بغيت نعرف فين كتطلع الطالعه
واش ل كوكار ولا ل جنان السبيل
هاد لمدينه شحال من سر بالعه
ما تقراها لا ب النهار ولا ف نص الليل.
ويقول الزجال حميد تهنية:
أنت يا فاس وريده من سالف الزمان
نحكيك عذره من الغيوان تميس
من شافك مره يصير ولهان
يا مدينة لهمام مولاي ادريس
ويقول الزجال الطاهر جمال بنحدو :
فاس والكل في فاس يا زهرة الأقحوان والآس
فردوس أنت عزيزة تحن لك قلوب كل الناس
من إدريس إلى مرين السعديون وكذا الوطاس
أبدعوك بعشق معتق والعلويون لك نبراس.
هوامش:
أمجد مجدوب رشيد: فاس في القصيدة العربية المعاصرة – ط1 – 2017 – منشورات مقاربات بدعم من وزارة الثقافة –مطبعة بلال بفاس.
السعيد بنفرحي :المدينة المغربية في الزجل والملحون –ط 1 -2015- دار السلام للطباعة و النشر والتوزيع – الرباط