قبل إجراء أول انتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة، دار بيني وبين إعلامي مصري مخضرم من جماعة حسني مبارك حديث حول الانتخابات ومن سيفوز فيها، أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك السابق أم محمد مرسي مرشح الثورة. وكان الرجل صريحاً، فقد قال لي حرفياً: «يجب ألا يحلم لا محمد مرسي ولا أي مرشح آخر محسوب على الثورة أن يقود مصر في قادم الأيام. وحتى لو فاز مرشح الثورة في الانتخابات، فلن يبقى طويلاً في منصبه، لأنه مرفوض داخلياً وخارجياً». فقلت له: ماذا تعني بـ «داخلياً» و»خارجياً»، فأجاب: «على الصعيد الداخلي، لن يقبل الجيش المصري، وهو أقوى مؤسسة في البلاد، أن يسلم مقاليد الحكم لأحد، حتى لو فاز بتسعة وتسعين بالمائة من الأصوات، وحتى لو كان مدعوماً من مائة ثورة شعبية. أما خارجياً، فلن يقبل أولاد عمنا الإسرائيليون بحاكم يختاره الشعب، خاصة إذا كان ذا صبغة إسلامية». طبعاً في عز المد الثوري آنذاك اعتبرت كلام الإعلامي المصري نوعاً من الهراء والعنتريات الفارغة على اعتبار أن الثورة في مصر لن تسمح لا للجيش ولا لإسرائيل ولا لأية قوة في العالم أن تخطفها. لكن يجب أن أعترف أنني كنت مغفلاً، ولم أعرف بعد أن التحالف الحاكم في العديد من الدول العربية المحيطة بإسرائيل يقوم على عامودين: الجيش العربي والعامل الإسرائيلي. بعبارة أخرى، فإن المؤسسات العسكرية الحاكمة في بلادنا ليست عدواً لإسرائيل، كما أوهمونا على مدى عقود، بل هي متورطة في تحالف وثيق مع إسرائيل، بحيث تؤمن إسرائيل للمؤسسات العسكرية والأمنية العربية الوصول إلى السلطة والتشبث بها، بينما تقوم تلك المؤسسات بحماية إسرائيل من الشعوب العربية وإبقاء البلدان المجاورة التي يحكمها الجنرالات في حالة تخلف سياسي واجتماعي واقتصادي وصناعي.