الفعل الأمازيغي بين الهدر النضالي وأفاق بناء العمل المشترك
– وكيم الزياني
قد لا نختلف في أن العمل الأمازيغي والخطاب الأمازيغي عامة راكم تجربة مهمة على امتداد ثلاث عقود الماضية رغم حداثة بروزه ونشأته، وسجل لخظات كبرى على مستوى “التمثيل الذاتي” و”الترافع الثقافي-السياسي” والاحتجاجي الميداني للخطاب، وفرض طروحاته المختلفة في فضاء النقاش الثقافي والسياسي العمومي، إلى جانب إنتاجاته العلمية والفكرية الوطنية في جوانب بحثية مختلفة، وقدم بذلك شهداء ومختطفين ومعتقلين السياسيين والذين ما زالوا في السجون إلى يومنا هذا.
رغم التضييق والمنع والقتل والاعتقالات الذي تعامل بها المخزن مع الأمازيغية وحقوق امازيغن المطلبية من خلال سياساته المتعاقبة، استطاع العمل الأمازيغي بخطابه الفكري الثقافي والسياسي والهوياتي أن يفرض نفسه ويكتسب مشروعيته وشرعيته وعدالته من خلال قوته التي تتمثل في أصالته وحداثته.
أصالته –الخطاب- في كونه انتاج وطني محلي لم يستورد من الخارج كما الخطابات الايديولوجية القومية والاسلاموية التي وجدت كل شيء جاهز من أطروحات فكرية وتجارب تنطيمية… لا تتماشى والبنيات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية مما كانت محكومة دائما بالفشل من حيث استعصاءها في تقديم حلولا علمية لقضايا ومعضلات الشعب المغربي.
وخطاب حداثي كونه يتبنى الحداثة كأفق كوني للفكر البشري والتجارب الانسانية من خلال أسسه المرجعية التي ينهل منها أفكاره ومبادئه، واعتماد المرجعية الكونية لحقوق الانسان والنضال من أجل الديمقراطية والمواطنة الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
العمل الأمازيغي بين التشرذم والهدر النضالي
رغم قوة الخطاب الأمازيغي بكل ما يحمله من تمثلات وجدلية بين ما هو ثقافي، سياسي، تاريخي وهوياتي، والذي يحتاج في حينه إلى تجديد وتطوير باستمرار، يكاد جل الفاعلين والفاعلات الأمازيغيين المتتبعين للعمل الأمازيغي أن يتفقوا على أن العمل الأمازيغي أو نضالات الحركة الأمازيغية بشكل عام تعيش مرحلة عسيرة مليئة بالتحديات في ظل “الركودا” النضالي الذي عرفه ويعرفه، حالة كثيرا ما يسميها البعض “بالفشل” أو”الضعف” في الأداء النضالي بينما يعبر عنها آخرون إما “بالأزمة” أو “التعثر”، في حين يصفها آخرون بحالة “التشرذم” أو”التشتت”، ويرجع هذا ربما إلى اتباع نفس آليات التمثيل الذاتي والترافع الثقافي-السياسوي القديمة والتي لم تتجدد أو تتطور، هذا رغم التغيرات المحدثة وطنيا وإقليميا ودوليا.
وعندما نقول أن بالحركة الأمازيغية تعيش حالة الهدر النضالي نقيس درجة ذلك من زاوية “الفعالية النضالية” لعمل فاعليها. فهل عملهما اليوم يعطي أكله أم لا؟ هل هو قوة فاعلة ورقم في معادلة “التدافع السياسي والثقافي” في النقاش العمومي أم لا؟ وهل يمتلك قوة التأثير والضغط لصالح أهدافه وحقوقه ومشروع الحركة الديمقراطي الحداثي الذي وينشدونه أم لا؟ أم أن وضيعة “التشرذم” التي يعرفها هذا العمل جعلت من فاعليها تتضارب حتى في مواقفها المعلنة من الناحية السياسية بل إلى حد التناقض في بعض الأحيان؟
لذلك قد نقر أن في ظل استمرار هذا الوضع نعتقد أن العمل الأمازيغي بهذه الآليات لا يستطيع تحقيق أبسط الأهداف الممكنة، بل سيزيد في هدر وضياع مجهداته النضالية أكثر نظرا لغياب رؤية شاملة ومتوافق عليها بين فعالياته من حيث المنطلقات والأهداف وفق عمل منظم هادف وفعال ذات إستراتيجية وآليات عمل واضحة المعالم.
ايمازيغن وآفاق بناء العمل المشترك
يمكن لنا القول بأن اللحظات التي كان فيها العمل الأمازيغي الحركي قويا تمثلت بالأساس في مراحل “انعطافاته الكبرى”، فلو قمنا بقراءة بسيطة للمسار النضال الأمازيغي بالمغرب سنخلص إلى نتيجة مفادها: كلما كان التنسيق والعمل الجماعي بين إمازيغن كلمها كانت الحركة الأمازيغية قوة فاعلة أكثر، سواء من ناحية صياغة المطالب والأرضيات العمل أو من ناحية تطوير الخطاب والمواقف السياسية أو من ناحية المجابهة والضغط الميداني الاحتجاجي.
لكن السؤال المؤرق في ذلك: لما كان مصير جل المبادرات التي أفرزتها “الانعطفات التاريخية” للعمل الأمازيغي هو الفشل؟ هل كان المشكل في العقلية التي كان تأطرها وتوجهها أم في الموضوع؟
المتمعن النقدي لمسار الحركة الأمازيغية والقارئ الموضوعي لبعض مشاريعها وأرضياتها سيخلص إلى أن العقلية التي تحكمت فيها، هي عقلية الانفعال الذاتي والظرفي لا عقلية التراكم والتطوير والبناء، فلو توقفنا مثلا إلى “بيان محمد شفيق من أجل أمازيغية المغرب” نفسه الذين اجتمع حوله ايمازيغن من خلال السؤال اللينيني آنذاك “ما العمل؟” لا يخلو من هذه العقلية، فنجد اللغة البيان “توافق الأفق المنظور للسطة لعلاج القضية الأمازيغية”، عندما تقول بأن “الجمعيات استنفذت مهامها” مشيرا إلى العمل الثقافي، بل ويدعو ايمازيغن للانتقال إلى ممارسة العمل السياسي، دون أن يحدد ما المقصود بالعمل السياسي وما شروطه؟
وبناءا على لغة البيان الأمازيغي جاءت مشاريع الأوراق والأرضيات المقترحة في مجال “العمل الأمازيغي المشترك” جلها تكاد تتفق من حيث اللغة المستعملة (رغم اختلاف التسميات والمنطلقات والتصورات) تتحدث عن “التحول” أو”الانتقال” مما يفيد القطيعة مع المرحلة السابقة للحركة الأمازيغية والتي انتهت حسب بعض الأوراق إلى “الفشل” و”التأزم”، مما يمكن لنا القول طغيان عقلية ردود أفعال تنتصر لمشاريع الأوراق والتصورات، وغياب عقلية الفعل الهادف الذي يسعى إلى البناء والتراكم والتطوير والتوافق بين الفاعلين والتصورات التي تنتصر للموضوع والقضية.
لذلك فآفاق العمل الأمازيغ- الأمازيغي المشترك اليوم يتحتم علينا أن نقف بكل جرأة ومسؤولية إلى سؤال نقد التجارب السابقة نقدا ذاتيا وموضوعيا، بما يسمح لنا من تصحيح المسار، عن طريق تقييم التجربة السابقة وقراءتها وفحص حصيلتها النضالية بكل إيجابياتها وسلبياتها وإخفاقاتها.
إعادة ترتيب الأولويات ووضع استراتيجيات عمل تتماشى والتحديات المفروضة على الحركة الأمازيغية اليوم، وبما يؤسس كذلك لفعل نضالي يتجاوز السمات التنظيمية والفكرية السلبية، عن طريق التخلي والقفز على بعض الأفكار التي ظلت تتجاوز لحظة الانفعال الظرفي في اتجاه تحديد معالم آليات العمل الأمازيغي المشترك أكثر نضجا وفعالية، وبناء تجارب تنظيمية واعدة ورسم خطوطها وأهدافها العريضة، لما لا جبهة أمازيغية موحدة تجد كل التصورات السياسية الأمازيغية نفسها من داخلها في إطار تدبير الاختلاف الإيجابي وتقاطع المواقف والأهداف المشتركة وإشراك الكل في التقييم والأجرأة والاقتراح والتوجيه والتنفيد. وأخذ زمام المبادرة السياسية لطرح مطالب وحقوق ايمازيغن كما يتصورها هم وليس كما يتفاعل معها المخزن، وتحصنها من أي تصدير وتشويه وتجزيء وفرملة، ومن أي احتواء أو مكروب أو اختراق أو تطفل سياسي.
منطلقات آفاق العمل الأمازيغي المستقبلي الهادف والفعال
لتثبيت قوة الحركة الأمازيغية وعملها المشترك وتفادي أخطاء الماضي، ولفرض نفسها كرقم صعب في معادلة “التدافع الفكري والسياسي” من داخل الساحة السياسية والثقافية يصعب تجاوزها من قبل الخطابات الأخرى، قوة فاعلة لا مفعول بها وذات صوت وازن ومسموع، وفعال في تحقيق اهدافها، ضرورة منها اليوم أن يأخذ بهذه المنطلقات لإشراف مستقبلها النضالي الوازن والمعقلن، والتي سنقف عندها من خلال هذه عوارض كبرى:
– احتكام الفعل الأمازيغي لمبدأ التحرر الذي أطر الخطاب الأمازيغي في شموليته سواء فكريا أو سياسيا أو تنظيميا،
– تحديد طبيعة العلاقة مع الآخر من السلطة والأحزاب وتيارات المجتمع المدني،
– خلق قطيعة مع كل معالم الاستلاب وتكريس التحكم والاستبداد وشرعنة الاقصاء السياسي للأمازيغية بالمؤسسات، وتحوير وتجزيء وتقييد واحتواء الخطاب الأمازيغي وحقوق امازيغن على مقاس السلطة،
– تثبيت الموقف السياسي من “الدستور الممنوح” كأرضية للعمل المشترك بدل تكريس التناقض ومن خلاله تحديد كيفية التعامل مع بعض القضايا الراهنة ذات الحساسية على مستوى معالجتها وكذا التموقف من المستجدات السياسية،
– تحديد منطق التحالفات والخيارات الإستراتيجية مع القوى الديمقراطية التي تتقاطع وبعض أهداف الحركة الأمازيغية،
– تسطير أولويات الإشتغال على المدى القريب والبعيد ووفق تحقيق الممكن بدل المستحيل،
تقعيد الوعي الجمعي الديمقراطي المشترك من خلال فتح قنوات الحوار الأمازيغي الأمازيغي بخصوص مستقبل القضية الأمازبغية ومستقبل الحركة الفكري والسياسي والتنظيمي وتتويج ذلك بتوصيات وتنسيقات وأرضيات عمل مشتركة،
– خلق نواة تنظيمية تأخذ بعين الاعتبار تسارع التحولات والأحداث وتتجاوز آليات الاشتغال القديمة وحالة الصراع الذاتي والتشرذم وتجسيد الاختلاف البناء،
– تقوية الحركة الاحتجاجية الأمازيغية على مستوى الشارع للمجابهة والممناعة عبر خلق تراكم كمي وكيفي ينطلق من الذات الأمازيغية المقهورة والمتضررة سياسيا وثقافيا واجتماعيا وهوياتيا لإسماع الصوت الأمازيغي والمشاركة في تأكيد مبادئه ومواقفه واحتضان روح الحركة المجتمعية،
– ادراك طبيعة العلاقة مع تنظيمات امازيغن في مختلف البلدان المغاربية الأخرى خاصة الجزائر وليبيا والطوارق وتونس وبلدان دياسبورا،
– ضرورة خلق نواة اعلامية أمازيغية لنشر الخطاب الأمازيغي وتصريف تصوراته السياسية، والتأطير والتوجيه…