يعد النقاش العام حول الظواهر الاجتماعية والسياسية في مجتمعنا ظاهرة صحية، يجب تشجيعها وتثمينها ورصد آراء المجتمع حولها، دون أن نسقط في فخ تبخيسها والحط من قيمتها بدعوى الشعبوية والعدمية وغيرها من أحكام القيمة التي يجب أن يترفع عنها الفاعل السياسي والجمعوي من أجل الرقي بوطننا والتقدم به إلى الأمام.
ويعد النقاش حول تقاعد البرلمانيين والوزراء من أهم النقاشات التي عرفها مجتمعنا في الآونة الأخيرة، وهو ما يفرض على الفاعلين السياسيين والإعلاميين والجمعويين التفاعل معه والتعريف بإيجابياته وسلبياته، بدل الصمت والمراهنة على عامل الزمن من أجل نسيانه وإلهاء المجتمع بقضايا أخرى تنسيه قضاياه الرئيسة.
إذا أردنا أن نعرف الحق من الباطل في مسألة التقاعدين، فإنه يجب علينا أن نعرف واضعهما ومقررهما، وأرضيتهما الفلسفية، والغاية المتوخاة منهما، وغني عن البيان أن مبتدع هذين النظامين هو الراحل الحسن الثاني رحمه الله تعالى، ومن المعروف عنه كما يحكي كثير من المقربين منه أنه كان معجبا بكتاب الأمير لميكيافيلي، وهو الكتاب الذي بين فيه صاحبه طريقة التعامل مع عامة الشعب ونخبته، فالعامة يجب أن يتركها الحاكم/الأمير “ترفل” في الفقر والبؤس والشقاء، وإلهاؤها بالتفكير في أوليات الحياة مثل الصحة والتطبيب، بل والتغدية. أما النخبة فيجب إرشاؤها، وذلك عبر إكرامها وإغداق النعم عليها، وربطها بالأمير/الحاكم ولي نعمتها، لأنها تساعده في سياسة عامة الشعب وقيادتهم وتأطيرهم.