تقول القولة ” الموظف هو صاحب الرزق المحدد في السجن المؤبد ” و لكن مع ذلك مازلنا نرى الكثير من الناس يعانون من عقدة الوظيفة العمومية و يقولون : ” الموظفون محظوظون محظوظون، يحلبون أموالهم من الحائط في دقائق و نحن نظل نقطرها نحصلها درهما درهما طول الليل و النهار من بين جمار التعب المستمر “، يرون بشكل مبالغ فيه أن الوظيفة هي السبيل المشرف لنيل مكانة اجتماعية محترمة و مريحة ، متحججين في ذلك بدوام المدخول الشهري و استقراره رغم قلته في بعض الحالات ، زد على ذلك قولهم بأن الموظف رغم كل ما قد يعانيه من ضيق يضمن لنفسه تقاعدا مريحا على عكس المشتغل في القطاع الحر الذي يظل طوال حياته يخطط و يخطط من أجل ضمان أو توفير مصدر رزق له و لعياله إذ يجد نفسه مع المستقبل غير قادر على العمل .كما لا ينبغي أن ننسى هنا أيضاميل البعض للتهاون و البحث عن الأجر المضمون البارد في نهاية الشهر من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء الاجتهاد المستمر و سهر الليالي ،لهؤلاء بالطبع نصيبهم من الصواب في طرحهم و من حقهم بعض ما يختارونه بالتأكيد إلا أن سنة الاختلاف و ضرورة تعدد الأدوار في المجتمع تحتم المراهنة على كل أنواع العمل لضمان مبدأ سخرية البعض للبعض و خدمة البعض للبعض الأخر ، خصوصا إذا ما فتحنا أعينناكذلك على الجوانب الايجابية للقطاع الحر الذي يفتح للمشتغل فيه أفاق غير محدودة إن بادر دائما إلى مزيد من العمل و الابتكار ، و لعل قول الرسول الكريم : علموا أولادكم التجارة و لا تعلموهم الايجارة ” لخير دليل على أفضلية القطاع الحر من الناحية الربحية دون أن نهمل بطبيعة الحال دور الموظفين الذين تقضى على يدهم حوائج الناس و الذين بهم تسير المرافق العامة المنتجة بشكل مباشر أو غير مباشر .
لسنا نسوق هذا الكلام أبدا لندعم ما يذهب إليه من يضربون قطاع الوظيفة العمومية و يعتبرونه مكلفا و غير منتج و ذلك بنوايا ليس بالضرورة أن تكون صحيحة ، لكن نسوقه من أجل الانتصار لفلسفة اجتماعية متوازنة تنظر بنفس الاحترام لكل فئات الشغيلة دون تعصب لهذا الصنف من العمل أو ذاك ، فالمهم هو شرط إتقان الأعمال بأمانة ومسؤولية و بتميز أيضا كلما أمكن ذلك و كلما أراد الفرد أن يثبت نفسه اجتماعيا بالأشكال الإيجابية المحمودة.
إن هذا الحديث يقودنا هنا إلى ضرورة مناقشة توجه الدولة في الآونة الأخيرة إلى محاولة التهرب من مسؤوليتها في القطاع العام لأسباب عديدة ، و هنا نتذكر خطب بعض السياسيين كخطاب المغفور له الحسن الثاني الذي شبه فيه زيادة أي وظيفة جديدة بزيادة ثقبة جديدة في كيس ميزانية الدولة ، كما نتذكر أيضا هنا ما صرح به رئيس الحكومة السيد عبد الاله بنكيران بتشبيهه الضمني للموظفين بالحشرات الضارة التي تمتص دماء ميزانية الدولة ، نعم للدولة أسبابها للإقدام على خطوات تقنن الوظيفة كإعادة النظر في التوظيف المباشر و العمل بمبدأ الترقية بالمردودية عوض الأقدمية و العمل بعقدة محدودة عوض العمل طول الحياة …إلى غير ذلك من الإجراءات التي تسعى إلى فرضها من أجل جعل قطاع الوظيفة العمومية قطاعا منتجا حسب تصورها و ليس قطاعا مفتوحا للحل العشوائي لمشاكل التشغيل أو مشاكل الخصاص دونما مراعاة للشروط العلمية و العملية المطلوبة من أجل منتوج أفضل للوظيفة، لكن الخطير و الأخطر في هذا الاتجاه هو أن شطارة الدولة هذه قد وصلت بها إلى التخطيط لفرض ما يسمى بأنه إصلاح لصندوق التقاعد الذي نهبه من نهبه و خربه من خربه ليبقى أمام الموظف أداء الضريبة بقبول إجراءات أقل ما يمكن القول عنها أنها زجرية و مجرمة بحق عرق جبين الأجراء المنهكين أصلا بهزالة الأجور و صعوبة ظروف الاشتغال .
إن الموظفين أجورهم محدودة و ساخطون على الأوضاع المهنية المهينة فكيف لعاقل أن يتصور أنهم يقبلون مزيدا من النقص في التعويضات و مزيدا من الاقتطاعات و مزيدا من سنوات العمل المضنية ، إنه حمق فعلا و ما بعده حمق ، هل يقبل أحد منا أن يقطع و يجزر ؟؟؟ عن أي إصلاح يا قادة الحكومة تتحدثون و أنتم على عرق الأجير تجهزون ، لقد جف عرقه و دمه منذ مدة طويلة و أنتم مازلتم منه تسخرون و تتوعدونه بالاقتطاع كلما فكر في ممارسة حقه في الإضراب ، و للقرف أنكم بذلك تفتخرون ، تفتخرون بأن لكم الفتح العظيم إذ قضيتم على الإضرابات في كل القطاعات ، لكن تنسون و تنسون أن تخجلوا و تخجلوا لأنكم لم تنجحوا في القضاء علىالأسباب المعقولة المؤدية إليها ، فكفاكم تضييقا على الموظف أو على الأقل افتحوا له أفاق أخرى يسد بها بعض النقص بعيدا عن لغة الوعيد و التهديد.
إن الموظف العادي البسيط في بلادنا لا يتقاضى أجرة إذا ما دققنا فيها النظر و قارناها بدول أخرى ، فما يتقاضاه لا يكاد يساوي في بعض الحالات التعويض عن البطالة الذي يمنح للمواطنين في أقطار متقدمة ، و لذلك يستحيل أن نطالبه بقبول اقتطاع آخر و هو أصلا في حالة عوز و يطالب بالاسترجاع الضريبي و غيره من الحقوق المهضومة .
و إذا ما كان هناك حديث عن الاقتطاع يمكن أن يتصوره الموظف البسيط فهو ذلك الاقتطاع الاستراتيجي التوفيري الذي يمكن أن يشتري له مع المستقبل دجاجة تبيض له بعض الدراهم الإضافية ليسدد بعض ديوانه المتراكمة ، أما أن تقتطعوا من أجره الهزيل أصلا من أجل حل مشاكل لم يكن له فيها يد فذلك هو الظلم بعينه ، أليس ممكنا الاجتهاد قليلا في التفكير الوطني الصادق بإنشاء صندوق وطني شفاف لاستثمارات الوظيفة العمومية يشارك في إنشاء المشاريع الوطنية الكبرى و الآمنة ( طرق سيارة ، خطوط سككية ، الربط القاري بين أروبا و افريقيا ، موانئ …) تخصص عائداتها الدائمة و المتجددة لتقوية تقاعد و أجرة الموظف كل وحجم مساهمته الشهرية الطوعية في هذا الصندوق ؟ أم أن كل الصناديق الكبرى في هذا الوطن قدر أن تكون دائما شريفة فوق كل الشعب دون إمكانية للمحاسبة أو المحاكمة ؟ ، كفانا نرجوكم من هذا التفكير الاحتكاري و لنفتح صناديق الوطن لكل أبناء الوطن ، و لنجعل مثلا من بعض دراهم أجرة الموظف استثمارا نافعا له و لكل الشعب حتى لا تبقى في أعينكم كل وظيفة ثقبة في جيب الوطن ، وحتى لاتبقى كل دراهم أجرة الوظيفة في نظركم دماء تسيل و سيجارة تدخن أمام الجميع إلى غير رجعة …
و أضعف أضعف الإيمان أنه إذا كان لا بد من التستر على جريمة صناديق التقاعد و أردتم أن تحلوا مشاكلها على حساب الشعب الذي لا يريد المطالبة بما قد يخرب أمنه و استقراره فحلوها على الأقل على حساب الكل حتى تأتي الخسارةعلى الأقل مقسمة على الجميعو تكون بذلك أقل حدة ، اعلنوا الأمر مشكلا وطنيا يتطلب تضحية الجميع مدنيين و عسكريين ، ابدؤوا بالميزانيات المقدسة الغامضة ناقشوها بجرأة و قلصوها ، بيعوا خوفكم و خجلكم و ابدؤوا بالمندوبين السامين وراجعوا أجورهم ، ابدؤوا بالمتهربين الكبار من الضرائب و أجبروهم على دفع الضريبة ، ابدؤوا بأنفسكم وراجعوا أجوركم و كونوا موظفين عاديين ، ثم عمموا بقية الخسارة إن كان لابد من ذلك على كل فئات الشعب لتحصدوا بعض الثمن و بعض السخط في الانتخابات على الأقل ، أما أن تستخفوا بفئة الموظفين باعتبارها رقما انتخابيا لا يتجاوزتقريبا 900 ألف صوت و جله خارج اللوائح الانتخابية ، فتلك سياسوية بغيضة تحرقون بها أي شيء يمكن إحراقه مالم يكن قادرا على المقاومة أو قادرا على تنحيتكم عن مواقعكم .
رجوعا إلى الله رشدا يا من يرفعون شعار العدالة و كفاكم غلظة و فضاضة ، فهذه و الله ليست بعدالة ، العدالة هي أن نحاسب اللصوص و المقصرين أو نقتسم الفاتورة جميعا دون استثناء أحد قادر من أهل الدار ، كفاكم تهديدا للموظفين بالاقتطاع و بالإجراءات الزجرية التي تتحدى إرادتهم و تقولهم ما لم يقولوا و ما لا يمكن أن يقولوا ، اعرفوا أن أجورهم في كل الأحوال لا تساوي ريالين أصفرين بالمقارنة مع أعالي البحار المحتلة و مع أعماق الأرض المحتلة و مع أعماق الحسابات البنكية السارحة خارج البلاد، الموظفون ليسوا نزيفا كما تتصورون فدراهمهم المعدودة ليست تسبح في الأول و الأخير إلا في بحر اقتصاد الوطن ، و لا يأخذها في كل الأحوال إلا الاسكافي أو بائع الخضار … ، جل أجرتهم ليست أبدا كما قد تتوهمون ، هي فقط بين الأبناك موزعة وبالأسعار المستعرة متبخرة قبل أن ينتصف الشهر ، والدولة كلما أوهمتهم بزيادة في الأجور بادرت على الفور و بذكاء إلى الزيادة في الأسعار أو النقص في جودة المواد ، و لعل الجميع يعرف أن سكر اليوم ليس أبدا كمثل سكر الأمس وزنا و جودة . ولعل الجميع بات يعرف قيمة مئتا درهم اليوم التي ما أن تصرف حتى تتبخر على الفور في الطريق العسيرة بين محل السكنى و مقر العمل على أيدي محترفي “الكريساج” الناعم في واضحة النهار ، لهذا كفوا عن الموظفين ألسنتكم و أيديكم و دعوهم في أمان على الأقل إن لم تقدروا على الاستجابة الجادة لملفاتهم المطلبية المشروعة ، التي مازال يعلوها غبار التسويف و الاهمال في مختلف وزاراتكم التي يتعاقب عليها في الأغلب وزراء لا علاقة علمية أو مهنية لهم بشؤونها و هموم موظفيها ليبقى منطق إرضاء السياسيين هو السائد و ليبقى منطق المحافظة على الاستقرار و تفادي الانفجار بأية طريقة هو السائد ، تسكتون هذا بما تنزعونه من حق ذاك و ترومون دائما إرضاء التماسيح الكبرى بجعل الشعب وحده يؤدي كل الضريبة لكي لا يصلها أي زفير ساخن قد يشوش عليها استرخائها المتواصل في جنانها المكيفة الفارهة . لكن مهما فعلتم و مهما للانتفاضة أجلتم فهي لا محالة قادمة ما دمت أسبابها قائمة ، و مادمت شبكة الأنترنيت قادرة على جمع الجميع على كلمة عصيان مدني واحدة إن أنتم أردتم فرض ما تسمونه إصلاحا للتقاعد و سابقتم الزمن لتمريره بضربة خاطفة حتى يرضى عنكم أسيادكم و تفوزوا بصفقة حكم ثانية ، نعم و الله إنها لريبة كبرى في نواياكم إذ تصرخون و تلحون و” تحيحون” و تقولون أنكم تبتغون وجه الله بسفك دماء و عرق الأجراء ، كلا بل وجه أسيادكم ما تبتغون ، تصرخون و تصرخون من أجل ما تقولون أنه مستقبل الخزينة و أنتم من قال أكثر من مرة و ردد في خطبكم الدينية مدبرها حكيم…و الله أرحم الرحمين … ، كفوا عنا خطبكم المستفزة و دعوا المفسدين يفلسون و حينها تشتد الأزمة و تنفرج و يختصم الناهبون و يظهر للجميع ما كانوا يسرقون ، أما أن تعطوهم لحومنا مرة أخرى كي منها يقتطعون ليجدوا مرة أخرى ما يا يأكلون و ينهبون فذاك دليل صريح على أنكم حالفتم الشيطان الرجيم و أصبحتم له بعد عداوة الزمن القديم بمثابة الولي الحميم بل المعين المعين و السند الحنون الكريم .